__________________
ـ قول المجوس : إنّ الله تعالى فاعل لجميع ما سرّ ولذّ وأبهج ومالت إليه الأنفس واشتهته الطباع كائنا ما كان ، حتّى أنّه فاعل الملاهي والأغاني وكلّ ما دخل في هذا الباب ، وهذا مذهب المجبرة بغير خلاف ، ويقول المجوس : إنّ الله تعالى محمود على فعل الخير ، وهو لا يقدر على ضدّه ، وإنّ إبليس مذموم على فعل الشر ولا يقدر على ضدّه ، وهذا بعينه يضاهي قول المجبرة : إنّ المؤمن محمود على الإيمان وهو لا يقدر على ضده ، وإنّ الكافر مذموم على الكفر ولا يقدر على ضدّه ، وتذهب المجوس إلى القول بتكليف ما لا يطاق ، وهو رأيها الذي تدين به في الاعتقاد ولهم في السنة يوم يأخذون فيه بقرة قد زيّنوها ، فيربطون يديها ورجليها أوثق الرباط ثمّ يقرّبوها إلى سفح الجبل ويضربوها لتصعد ، فإذا رأوا أن قد تعذّر عليها ذلك قتلوها ، ويسمّون هذا اليوم عيد الباقور ، وهذا هو مذهب المجبرة في القول بتكليف ما لا يستطاع ، فهم مجوس هذه الأمة ، وقد رتّبتها بما اقتضاه هذا البيان ، وقد قالت العدلية للمجبرة : إنّ من أدلّ دليل على أنّكم القدرية قولكم : إنّ جميع أفعال العباد بقدر من اللهعزوجل ، وإنّه الذي قدّر على المؤمن أن يكون مؤمنا وعلى الكافر أن يكون كافرا ، وإنّه لا يكون شيء إلّا أن يقدّره الله تعالى قالت المجبرة : بل أنتم أحقّ بهذا ؛ لأنّكم نفيتم القدر وجحدتموه وأنكرتم أن يكون الله سبحانه قدّر لعباده ما اكتسبوه. قالت العدلية : قد غلطتم فيما ذكرتموه وجرتم فيما قضيتموه ؛ لأن الشيء يجب أن ينسب إلى من أثبته وأوجبه لا إلى من نفاه وسلبه ، ويضاف إلى من أقرّبه واعتقده لا إلى من أنكره وجحده فتأملوا قولنا تعلموا أنكم القدرية دوننا. ثمّ ذكر الكراجكي (ره) تحقيقا آخر لا بأس بنقله تكثيرا للفائدة وقال :
وقد ظنّت المعتزلة أنّ الشيعة هم المرجئة لقولهم : إنّا نرجو من الله تعالى العفو عن المؤمن إذا ارتكب معصية ومات قبل أن تقع منه التوبة ، وهذا غلط منهم في التسمية ؛ لأنّ المرجئة اسم مشتقّ من الإرجاء وهو التأخير ، يقال لمن أخّر أمرا : أرجأت الأمر يا رجل فأنت مرجئي ، قال الله : «ارجه وأخاه» أي أخّره ، وقال تعالى : (وَآخَرُونَ مُرْجَوْنَ لِأَمْرِ اللهِ) يعني مؤخرون إلى مشيته وأمّا الرجاء فإنّما يقال : منه رجوت فأنا راج ، فيجب أن تكون الشيعة راجية لا مرجئة والمرجئة هم الذين أخّروا الأعمال ولم يعتقدوها من فرائض الإيمان ، وقد لعنهم النبيّ صلىاللهعليهوآله فيما وردت به الأخبار ، حدّثنا القاضي أبو الحسن محمد بن علي بن محمد بن صخر الأزدي البصري بمصر سنة ستّ وعشرين وأربع مائة ، قراءة منه علينا ، قال : أخبرنا أبو القاسم عمر بن محمد بن يوسف قال : حدثنا على بن محمد بن مهرويه القزويني ببغداد سنة ثلاث عشر وثلاثمائة قال : حدّثنا داود بن سليمان العادي قال : حدّثنا علي بن موسى الرضا قال : حدّثنا أبي الحسين بن علي قال : حدّثني أبي علي ابن أبي طالب عليهالسلام قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : صنفان من أمّتي ليس لهم في الآخرة نصيب : المرجئة والقدرية. قلت : وقد تحقّق ممّا ذكره العلامة الكراجكي (ره) وما رواه مسندا أنّه لا شكّ أنّ حديث : القدرية مجوس هذه الأمة. ثابت من قول رسول الله صلىاللهعليهوآله ولا شكّ في ثبوته عن صاحب الرسالة المقدّسة فما لهج به بعض من لا يعبأ بقوله : إنّه من الموضوعات ، فقوله من الخرافات.