لا يريد به رضاه بصفة من صفاته ، بل يريد ما يقضي به تلك الصفة وهو المقضى ، فيلزم المحذور.
واعلم أنّ وليّ الله قد كشف القناع عن معنى القضاء والقدر حين سأله الشامي عن مسيرهم (١) أبقضاء الله وقدره؟ فقال عليهالسلام : والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما وطئنا موطئا ولا هبطنا واديا ولا علونا تلعة إلّا بقضائه وقدره ، فقال له السائل : عند الله أحتسب عنائي لا أرى لي من الأجر شيئا ، فقال عليهالسلام : مه يا شيخ ، بل عظّم الله أجوركم في مسيركم وأنتم سائرون وفي منصرفكم وأنتم منصرفون ، ولم تكونوا في شيء من حالاتكم مكرهين ولا إليها مضطرّين فقال الشيخ : كيف والقضاء والقدر ساقانا ، فقال : ويحك لعلّك ظننت قضاء لازما وقدرا حاتما ، ولو كان ذلك كذلك لبطل الثواب والعقاب والوعد والوعيد والأمر والنهي ، ولم يأت لائمة من الله لمذنب ولا محمدة لمحسن ، ولم يكن المحسن أولى بالمدح من المسيء ولا المسيء أولى بالذمّ من المحسن ، تلك مقالة عبدة الأوثان وجنود الشيطان وشهود الزور وأهل العمى عن الثواب ، وهم قدرية هذه الأمّة ومجوسها (٢) ، إنّ الله تعالى أمر تخييرا ونهى تحذيرا ، وكلّف يسيرا ولم يعص
__________________
(١) سيرهم ـ خ : (آ) رواه في الكافي وغيره عن الأصبغ بن نباتة.
(٢) للعلامة الكراجكي قدسسره تحقيق رشيق في معنى الحديث : القدرية مجوس هذه الأمة. وقد أوضح معنى الحديث ومصداقه ، ينبغي نقله هنا من كتابه كنز الفوائد قال : اعلم أنّا وجدنا كل فرقة تعرف باسم أو تنعت بنعت ، فهي ترتضيه ولا تنكره سواء كان مشتقا من فعل فعلته أو قول قالته أو من اسم مقدّم لها تبعته ، ولم نجد في أسماء الفرق كلّها اسما ينكره أصحابه ، ويتبرّأ منه أهله ولا يعترف احد به إلّا القدرية ، فأهل العدل يقولون لأهل الجبر : أنتم القدرية ، وأهل الجبر يقولون لأهل العدل : أنتم القدرية وإنّما تبرأ الجميع من هذا الاسم ؛ لأنّ رسول اللهصلىاللهعليهوآله لعن القدرية وأخبر أنّهم مجوس هذه الأمة ، والأخبار بذلك مشتهرة. فمنها : ما حدّثني به أبو القاسم هبة الله بن إبراهيم بن عمر الصوّاف بمصر ، قال : حدّثنا أبو بكر أحمد بن مروان المالكي ، قال : حدّثنا عباس بن محمد الدورسي قال : حدّثنا عثمان بن زفر قال : حدّثنا أبو معشر عن سعيد عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لكلّ أمة مجوس ومجوس هذه الأمة القدرية ، فإن مرضوا فلا تعودوهم وإن ماتوا فلا تشهدوهم وإن لقيتموهم في طريق فالجئوهم إلى ضيّقه.
وهذا القول من رسول الله صلىاللهعليهوآله دلالة لنا على المعرفة بالقدرية وتمييز لهم من بين الأمة ؛ لأنّهم لم ينعتهم بالمجوسية إلّا لموضع المشابهة بينهم وبين المجوس في المقال والاعتقاد ، وقد علمنا بغير شكّ ولا ارتياب أنّ من ـ