إن قلت : قد يقع الذمّ مع العلم بأنّ الفاعل هو الله تعالى ، كإلقاء الطفل إلى النار المحرقة.
قلت : الذمّ على الإلقاء لا على الإحراق.
إن قلت : لو كان المتولّد مقدورا للعبد لأمكنه تركه ، وهو باطل ؛ فإنّ عند اختيار السبب يجب المسبّب فلا يقع بالقدرة.
قلت : الوجوب لاحق كالوجوب مع انضمام الداعي إلى القدرة فلا ينافي الوقوع منّا.
الثانية : وقع الاتفاق وتطابق النقل على كون الأفعال واقعة بقضاء الله وقدره ، ويستعملان في معان ثلاثة :
الأوّل : الخلق والإيجاد كقوله : (فَقَضاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ فِي يَوْمَيْنِ) إلى قوله : (وَقَدَّرَ فِيها أَقْواتَها) (١) ، وهذا المعنى ليس بمراد (٢) ، لما علم بطلانه ضرورة.
الثاني : أن يراد بالقضاء الحكم والإيجاب كقوله : (وَقَضى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ)(٣) وهذا لا يصحّ إلّا في الواجب خاصّة دون غيره.
الثالث : أن يراد بالقضاء الإعلام والإخبار كقوله : (وَقَضَيْنا إِلى بَنِي إِسْرائِيلَ فِي الْكِتابِ) (٤) أي أعلمناهم وأخبرناهم.
والقدر يراد به الكتابة والبيان كقوله : (قَدَّرْناها مِنَ الْغابِرِينَ) (٥) وهذا المعنى هو المراد ، أمّا القضاء فلأنّه تعالى أعلمنا أحكام أفعالنا ، وأمّا القدر فلأنّه تعالى بيّن أفعال العباد وكتبها في اللوح المحفوظ وبيّنها للملائكة ؛ إذ لو لم يتعيّن هذا المعنى للإرادة لزم وجوب الرضا بالكفر وأنواع القبائح ، للإجماع على وجوب الرضا بقضاء الله وقدره ، وقول الخصم : إنّا (٦) نرضى بالقضاء لا بالمقضي باطل ؛ لأنّ القائل : رضيت بقضاء الله
__________________
(١) فصلت ٤١ : ١٠.
(٢) مرادنا ـ خ : (آ).
(٣) الإسراء ١٧ : ٢٣.
(٤) الإسراء ١٧ : ٤.
(٥) النمل ٢٧ : ٥٧.
(٦) بأنّا ـ خ : (آ).