قال الأشعري : ثبت استناد الأفعال إليه ، ومن جملتها ما ذكرتم فيكون منه ، ولأنّه كلّف ما لا يطاق وقد تقدّم ، فيكون فاعلا للقبيح ، ولأنّ تكليف الكافر لا فائدة له وإلّا لحصلت ، إمّا في الدنيا وهو باطل ، إذ ليس الحاصل إلّا المشقة ، وإمّا في الآخرة وهو باطل أيضا ؛ لموته على كفره المانع من وصول الثواب إليه ، وإذا كان كذلك كان تكليفه قبيحا إذ انتفاء (١) الفائدة فيه مطلقا أو عودها إليه تعالى أو إلى غير المكلّف قبيح عندكم أيضا ، وإذا ثبت أنّه كلّف الكافر ثبت أنّه فاعل القبيح (٢).
وأجيب : أمّا عن الأوّلين فقد تقدّم ، وأمّا عن الثالث فبالمنع من انتفاء الفائدة ، ونمنع حصرها فيما ذكرتم ، بل الغرض التعريض لاستحقاق الثواب الذي لا يمكن الابتداء به ، وأمّا حصوله بالفعل فمشروط بالكسب الذي هو الإيمان والعمل الصالح ، وعدمه من سوء اختياره ؛ لما ثبت من تمكّنه وإزاحة العلل عنه.
الثاني : إرادة القبيح والأمر به وترك إرادة الحسن ؛ لأنّ ذلك كلّه قبيح ، وقد تقدّم استحالته عليه ، ولأنّه نهي عن القبيح وأمر بالطاعة فيكون كارها للأوّل ومريدا للثاني ، ولأنّه حكيم وله صارف من القبيح وداع إلى الحسن وهو ظاهر ، ولأنّه لو كان مريدا لجميع الكائنات لوجب الرضى بها ، لكن الرضى بالكفر كفر ، ولأنّه يلزم كون الكافر مطيعا بكفره لموافقته إرادة الله تعالى ، ولقوله : (وَلا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ) (٣) والرضى هو الإرادة.
وقال الأشعري : إنّه مريد لجميع الكائنات ، لأنّها فعله ، ولأنّه لو أراد طاعة الكافر التي لم تقع منه لكان مغلوبا معه ، ولقوله : (وَلَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها) (٤) (وَلَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً) (٥) المقتضيتين لعدم إرادة الطاعة
__________________
(١) لانتفاء ـ خ : (د).
(٢) للقبيح ـ خ : (د).
(٣) الزمر ٣٩ : ٧.
(٤) السجدة ٣٢ : ١٣.
(٥) يونس ١٠ : ٩٩.