لغير صاحبه ، ولا خلاف في أنّ من يموت حتف أنفه أنّه بأجله مات ، وإنّما اختلف فيمن يموت بسبب خارجي.
فقال أبو الهذيل : إنّه كالأوّل وإنّه لو لا السبب لوجب موته وإلّا لكان القاتل قاطعا لحياته المعلوم له تعالى حصولها وهو باطل ؛ إذ لا قدرة على المحال ، ولزم انقلاب علمه تعالى جهلا ، إذ مع وجوب حياته قد علم أنّه يعيش وبالقتل فاتت حياته فيلزم الانقلاب.
وقال البغداديّون من المعتزلة : إنّه لم يمت بأجله وإنّه لو لم يقتل لوجب أن يعيش ، وإلّا لكان من ذبح غنم غيره محسنا إلى صاحبها واللازم باطل ، لاستحقاقه الذمّ من العقلاء ويغرم (١) قيمتها شرعا (٢).
وفيهما نظر ، أمّا الأوّل فلأنّ المعلوم قد يكون مشروطا ، ولأنّ العلم تابع فلا يكون خلاف المعلوم محالا في نفسه وإن كان محالا بالنظر إلى العلم.
وتحقيقه : أنّ العلم يستدعي المطابقة ، ففرض وقوع العلم بأحد الطرفين هو فرض وقوع ذلك الطرف ، ولا شكّ في أنّه يستحيل وقوع أحد الطرفين مع فرض وقوع نقيضه ، لكن هذه الاستحالة ليست منافية للإمكان الذاتي ؛ لأنّها تابعة للفرض المذكور وهي التي سمّاها المنطقيون الضرورة بحسب المحمول.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ ذمّه باعتبار تفويته العوض الكثير عليه تعالى (٣).
وفي هذا نظر ؛ فإنّ العقلاء إنّما يذمّونه على الذبح ، ولذلك يعلّلونه به.
__________________
(١) ولغرم ـ خ : (آ).
(٢) في شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار المعتزلي والشرح للإمام أحمد بن الحسين بن أبي هاشم : والذي عندنا أنّه كان يجوز أن يحيى ويجوز أن يموت ولا يقطع على واحد من الأمرين ، فليس إلّا التجويز ، ثمّ شرع في الردّ على ما قاله أبو الهذيل والبغداديون ـ انظر ص ٧٨٢ طبعة القاهرة سنة ١٣٨٤.
(٣) يعني أنّه إنّما لم يكن محسنا باعتبار تفويته الأعواض الكثيرة ، فإنّه لو لا ذبحه لكان موته من قبل الله تعالى فتتزايد أعواضه على أعواض الذبح.
وفيه نظر ؛ فإنّ العقلاء إنّما يذمّونه على الذبح وتفويت الحياة ، ولهذا لو سئل الواحد منهم لقال ذلك.
والأقرب في الجواب : أنّا نحكم على ذابح الشاة بالظلم ونذمّه لتجويز حياتها ، وأيضا باعتبار إقدامه على مال الغير ، ولهذا يغرم القيمة.