الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطير تغدو خماصا وتروح بطانا (١)» ـ باطل ؛ لأنّا نمنع اختلاط كلّ حلال ، والبعض لا حرج فيه مع عدم العلم ، والإعطاء ليس مقصودا ولا مرادا ، والتوكّل لا ينافي الطلب ، والمكتسب حال طلبه متوكّل لإردافه بالغدوّ مع أنّه لا نهي في الحديث عن الطلب ، بل يفهم منه : أنّكم لو عبدتم الله لرزقكم كما يرزق الطير بتهيئته الأسباب وأردفه بالغدوّ الذي هو الطلب.
ثمّ الذي يدلّ على قولنا ، اندفاع الضرر به فيكون سائغا وقوله تعالى : (وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللهِ) (٢) وقوله عليهالسلام : «سافروا تغنموا».
الثالث : السعر تقدير البدل فيما يباع به الشيء ، وليس نفس البدل ؛ لأنّه الثمن والمثمن ، وهو رخص ـ أعني المنحطّ ـ عمّا جرت به العادة مع اتّحاد الوقت والمكان ، وغلاء وهو ضدّه واعتبر الاتّحاد في الطرفين ، إذ لا يقال : الثلج رخيص في الشتاء حال نزوله(٣) وغال في الصيف حال عدمه ، بل يقال : رخص في الصيف لانحطاطه عن جاري عادته ، وكذا الكلام في المكان.
ثمّ إنّهما إن اشتملا على وجه قبيح فمنّا وإلّا منه تعالى ومنّا ، وما منه تعالى قد يشتمل على اللطفية وقد يكون ابتلاء.
الرابع : الأجل ، وهو الوقت الذي علم الله تعالى بطلان الحياة فيه وقد يكون لطفا
__________________
ـ وفي الحديث أنّه لما نزل : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) الطلاق : ٣ ، انقطع رجال من الصحابة في بيوتهم واشتغلوا بالعبادة وثوقا بما ضمن الله لهم ، فعلم النبي صلىاللهعليهوآله بذلك فعاب عليهم ذلك وقال : إنّي لابغض الرجل فاغرا فاه إلى ربّه يقول : اللهم ارزقني ويترك الطلب.
أقول : مساعدة الظالم وإعانته إنّما تتحقّق بالقصد إليها وبالصدق العرفي وإن لم يكن قصد ، وهما غير متحقّقين في طلب الرزق أصلا ، فقول الصوفية باطل قطعا كما هو مشروح ومحقق في مظانّه من كتب الفقه.
(١) قال القاضي عبد الجبار المعتزلي : أما قولهم : إنّ الطلب ينافي التوكّل ويضادّه فمحال ، بل التوكّل هو طلب القوت من وجهه ، وعلى هذا قال رسول الله صلىاللهعليهوآله : لو توكّلتم على الله ... جعل التوكّل هو أن تغدو أو تروح في طلب المعيشة من حلّه شرح الأصول الخمسة ص ٧٨٦ طبعة مصر.
(٢) الجمعة ٦٢ : ١٠.
(٣) لأنّه ليس أو أن بيعه.