والجواب عن معقولهم بالمنع من لزوم البداء ؛ إذ البداء يستلزم اتّحاد الوقت والفعل ووجهه والمكلّف ، كما قيل : الواحد بالواحد في الواحد على الواحد لا يكون مأمورا منهيّا. وأمّا النسخ فليس كذلك ؛ لعدم بعض هذه وهو الوقت والوجه.
وعن مسموعهم بالمنع من صحّته ، بل هو موضوع وضعه ابن الراوندي (١) لهم ،
__________________
(١) والظاهر أنّ وضعه ذلك لهم حينما كان معاشرا مع اليهود. وابن الراوندي هو أبو الحسين أحمد بن يحيى ابن محمد بن إسحاق الراوندي المعروف بابن الراوندي من أهل مروالروز في خراسان ، والراوندي نسبة إلى راوند ـ بفتح الراء والواو بينهما ألف وسكون النون بعدها دال مهملة ـ قرية من قرى قاشان بنواحي أصفهان كان من المتكلّمين المعروفين في زمانه معتزليا ، ثمّ أظهر مذهب الشيعة وألّف في الردّ على المعتزلة وهجن مذهبهم ، وألّف كتبا على طريقة المعتزلة وتقرير عقائدهم ثمّ ألّف كتبا على طريقة الشيعة الإمامية ككتاب الإمامة وأجاد في تأليف تلك الكتب وجمع فيها من الأدلّة وآراء المتكلّمين لتأييد عقيدة الشيعة خصوصا في مسألة الإمامة.
ومن كتبه في الردّ على المعتزلة كتاب فضيحة المعتزلة ولما كان عارفا بآرائهم على الوجه الأكمل لأنّه كان منهم ومؤلّفا لهم وكاتبا مجيدا جاءت كتبه في ذلك في نهاية الجودة وزاد في تحامل من تحامل عليه من المعتزلة وبعض الأشاعرة نصرته مذهب الشيعة بعد ما كان من المعتزلة ، فنسب إلى الزندقة والإلحاد ، ووجد خصومه ما يقوّي دعواهم ويعضدها من الكتب المنسوبة إليه والله أعلم بحقيقة أمره.
وعلماء الشيعة مختلفون في أمره والذي دافع عنه في قبال المعتزلة هو سيد الأمة السيد المرتضى علم الهدى (ره) في كتابه النفيس الخالد الشافي حيث شنّع القاضي عبد الجبار الهمذاني الأسدآبادي صاحب كتاب المغني الذي صنّف سيدنا المرتضى (ره) كتاب الشافي للردّ عليه على الشيعة في كتابه المذكور ، وردّ عليه السيد (ره) بما لا مزيد عليه ودافع عن ابن الراوندي.
ولكن عن ابن شهرآشوب (ره) في معالم العلماء : أنّ ابن الراوندي مطعون عليه جدّا. وعن بعض : أنّ أكثر كتبه الكفريات ألّفها لأبي عيسى بن الآوي اليهودي الأهوازي ، وفي منزل هذا الرجل توفّي. وعن بعض علماء الإمامية أنّ ابن الراوندي كان يهوديا ثمّ أسلم منتصبا قائلا بإمامة العباس بن عبد المطلب ، قال السيد الأمين العاملي (ره) في أعيان الشيعة بعد نقله : وهذا مع انفراده به لم يسنده إلى دليل.
وعن ابن الجوزي : زنادقة الإسلام ثلاثة : ابن الراوندي وأبو حيان التوحيدي وأبو العلاء المعرّي (١ ه) قال السيد الامين (ره) : وحشره في الزنادقة ليس إلّا لما نسب إليه من الكتب ومع اعتذار المرتضى (ره) عنها وتبرئته منها ، ونقل التوبة عنه عن جماعة لا يمكن الجزم بذلك.
أقول : يظهر من حالات ابن الراوندي أنّه كان رجلا متلوّنا في أوائل أمره ، وألّف كتبا على تلك الصفة ونسب إليه بعض الكتب التي لم يعلم أنّها من تأليفه ، ولذا لا يعتمد على بعضها ولكن أجاد في تأليف بعضها الآخر ، فالقول الفصل في حقه هو ما قاله السيد الإمام الأمين العاملي (ره) في أعيان الشيعة بقوله :