إذا تقرّر هذا فاعلم أنّ من اليهود من منعه (١) عقلا وسمعا ، أمّا عقلا فلاستلزامه البداء المستلزم للجهل ، وهو ممتنع عليه تعالى ، والبداء قيل : هو رفع الحكم قبل العمل به ، وقيل : الحكم على الشيء مع الندم عليه (٢) ، وكلاهما محال عليه تعالى.
أمّا الأوّل ؛ فلأنّ رفع الحكم قبل العمل به جهل بمصلحته التي شرّع لأجلها.
وأمّا الثاني ؛ فلاستحالة الندم عليه تعالى.
وأمّا سمعا ؛ فلقول موسى عليهالسلام : تمسّكوا بالسبت أبدا ، وقوله : شريعتي لا تنسخ. ومنهم من أجازه عقلا ومنعه سمعا. ومنهم من أجازه عقلا وسمعا ومنع نبوّة محمّد المصطفيصلىاللهعليهوآله مكابرة.
__________________
ـ فتزوّجهما ولد آدم فكان النسل منهما ، ولعل المراد من الحوريتين امرأتين بقيتا من السلاسل البشرية المتقدّمة على آدمنا هذا. انظر الفردوس الأعلى ، ص ٧٠ الطبعة الثانية تبريز. فعلى أيّ حال فلم يبق لنا غير ظاهر القرآن الكريم.
وما يقال : إنّ تزويج الأخت من أخيها ولو من بطن آخر ، وإنّه لا يخرج عن كونه زنا وبذات المحارم ، وأنّه موافق لمذاهب المجوس كما ذكره المحدّث المذكور. مدفوع : بأنّ الزنا ليس إلّا مخالفة القوانين المشروعة والنواميس المقرّرة من المشرّع الحكيم ، وحيث إنّ في بدء الخليقة لا يمكن التناسل إلّا بهذا الوضع أجازه الشرع في وقته ؛ لوجود المقتضي وعدم المانع. ثمّ لمّا تكثّر النسل ومسّت الحاجة إلى حفظ الأنساب وتميّز الأسر والأرحام وحفظ النظام العائلي ، وحصل المانع من تزوّج الأخ بأخته وأمثال ذلك مما تضيع فيه العائلة وتهدّ دعائم الأسر ولا يتميّز الأخ من الابن والأخت من البنت ، لذلك وضع الشارع قوانين للزواج تصون النسل عن الاختلاط والامتزاج ، وهذا المحذور لم يكن في بدء الخليقة يوم كانت أسرة آدم وحوّاء نفرا معدودا. وهكذا ذكر الجواب عن الإشكال شيخنا الأستاذ كاشف الغطاء قدسسره في الفردوس الأعلى ، ص ٧٠ طبعة تبريز سنة ١٣٧٢.
فممّا ذكرنا كلّه تبيّن أنّه لا يمكن الجزم في هذا المطلب بأحد الأقوال التي أشرنا إليها ، وما ذكره شيخنا الأستاذ قدسسره في دفع الإشكال المذكور ليس إلّا لكسر صولة تحاشي : أنّ تزويج الأخت من أخيها ولو من بطن آخر لا يجوز حتّى في بدء الخليقة ، وإلّا لم يكن قدسسره جازما بما جاد به يراعه المقدّس قدّس الله روحه ونوّر ضريحه. فالحقّ كما قلناه هو التوقّف وإيكال العلم بالواقع إلى أهله ، والله العالم.
(١) من منع منه ـ خ : (آ).
(٢) مع الندم عليه ـ خ : (آ).