__________________
فإنّ الظاهر من الآية الشريفة أن بثّ الرجال والنساء كان من آدم عليهالسلام وحوّاء حيث قال : وبثّ منهما ولم يقل : بثّ منهما ومن غيرهما. فالتوافق والاتّفاق حاصل بالنظر إلى ظاهر القرآن وقول اليهود : إنّ آدم كان يزوّج الأخ من أخته. ولا يمكن أن يكون الإجماع الذي ادّعاه المصنّف قدسسره إجماعا مصطلحا ، فإنّه لم يعلم دخول قول المعصوم فيه ، فإنّ كون الإجماع من الأدلة الأربعة حيث يعلم أو يكشف أنّ قول المعصوم في جملة المجمعين مع كون المسألة فرعية ، وأمّا في هذه المسألة لا نعلم دخول قول المعصوم فيهم مع ورود بعض الأخبار على خلاف هذا الإجماع المدّعى.
نعم الأخبار الواردة في كيفية ابتداء النسل من آدم عليهالسلام وحوّاء ـ مع معارضتها في نفسها من الأخبار الآحاد ـ لا توجب علما بحيث لا يقبل الشكّ ويحصل منها القطع كما هو واضح بالوجدان.
وقد روى الشيخ الصدوق رحمهالله بإسناده إلى زرارة قال : سئل أبو عبد الله عليهالسلام عن بدء النسل من آدم صلوات الله عليه كيف كان؟ ومن بدء النسل من ذرّية آدم فإنّ أناسا عندنا يقولون : إنّ الله تعالى أوحى إلى آدم أن يزوّج بناته من بنيه ، وإنّ هذا الخلق كلّه أصله من الأخوة والأخوات ، فمنع أبو عبد الله عليهالسلام من ذلك. الحديث انظر الحديث في الأنوار النعمانية للمحدث الجزائري (ره) ، ج ١ ، ص ٢٦٣ طبعة تبريز.
وروي عن الباقر عليهالسلام : أنّ حوّاء كانت تلد توأما كلّ بطن ذكر وأنثى ، فكان يزوّج الذكر من هذا البطن من الأنثى من البطن الآخر. والقرآن الكريم لم يكشف لنا حقيقة الأمر صريحا في هذا المطلب غير ما هو ظاهر الآية الشريفة كما عرفت ، فإنّه لا ثمرة عمليا واعتقاديّا مهمّة فيه. والآية الشريفة ليست من النصوص والمحكمات حتّى يحصل منها القطع ، ومن يدّعي من أهل الاعوجاج والسفهاء من غير أهل العلم والبحث بل من أهل الابتلاء بالأمراض الروحية ، أنّ كلّ القرآن الكريم قطعي الدلالة يكذّبه الوجدان السليم. وعلى فرض أنّه حصل لأحد القطع من دلالة كلّ الآيات القرآنية فله قطعه ، ولا يحصل من حصول القطع له لنا أيضا قطع. فهذا الادّعاء من بعض من لا يعبأ بقوله ، لا يسوى عندنا فلسا. لعنة الله تعالى على أعداء أهل البيت عليهمالسلام قاطبة ، ومن أعدائهم هذا السفيه الناصبي.
وأمّا المحدّث الجزائري (ره) فعلى مسلكه الأخباري ، وتمسّكه بكل ما روى بطريق الآحاد حتّى في غير الفروعات والأحكام تمسّك بما رواه الشيخ الصدوق (ره) ، الذي أشرنا إليه ، وحمل ما ورد عن الباقر عليهالسلام على التقية مع ادّعائه القطع في ذلك ـ انظر الأنوار النعمانية ، ج ١ ، ص ٢٦٤ طبعة تبريز.
وفيه نظر واضح ، فإنّه من أين يحصل لنا القطع بذلك؟ فإن حصل للمحدّث المعظّم المذكور قطع بهذا الحمل فله قطعه ولا يحصل لنا من قطعه قطع. والأخبار الواردة على خلاف ما روي عن الباقر عليهالسلام أيضا آحاد لا توجب القطع ، مضافا إلى الإشكالات الواردة على ما تضمّنها من تزويج آدم أولاده من الحور والجني ، لعدم السنخية في التزويج بينهما وبين أولاد آدم عليهالسلام في هذه النشأة الدنيوية ، وينبغي ملاحظة أسناد تلك الروايات وتحقيق أحوال الرجال الراوين لها.
وقال شيخنا الأستاذ كاشف الغطاء قدسسره : إنّ ما في بعض الأخبار من أنّ الله جلّ شأنه أنزل حوريتين