قد وضعوا مقالتين لشيعتهم لا يظهر أحد قط عليهم معهما.
إحداهما : القول بالبداء فإذا أظهروا مقالا : إنّه سيكون لهم قوة وشوكة وظهور ثمّ لا يكون الأمر على ما أخبروا به قالوا : بدا لله في ذلك.
ثانيهما : القول بالتقية فإنّهم كلّ ما أرادوا تكلّموا به ، فإذا قيل لهم : ذلك ليس بحقّ فظهر لهم البطلان قالوا : إنّما قلناه تقية وفعلناه تقية.
والجواب : لا شكّ أنّ هذا قول معاند عدوّكما قال جعفر بن محمد عليهالسلام : إنّ النواصب أعداؤنا والزيدية أعداؤنا وأعداء شيعتنا.
وجواب الأولى بالمنع من القول بالبداء ؛ إذ لم يصحّ ذلك عن أئمّتنا ، وعلى تقدير صحّته فهو خبر واحد يمكن حمله على النسخ الذي لا يمكن دفعه إلّا من يهودي ، وذلك أنّ البداء رفع الحكم الثابت بالشرع قبل وقت العمل به ، والنسخ رفعه بعد وقت العمل به ، مع أنّه منقول عن زيد رضي الله عنه (١) ، فالشناعة مقلوبة عليه.
وجواب الثانية : أنّ التقية لا يمكن لمسلم رفعها إلّا مكابر ، ودليلنا عليه من وجوه :
الأوّل : أنّها دافعة للضرر ، ودفع الضرر واجب مطلقا ، أمّا الأولى فظاهرة ؛ لأنّا لا نجوّزها إلّا عند الخوف ، وأمّا الثانية فكما تقدّم في باب العدل.
الثاني : قوله تعالى : (لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) ـ إلى قوله ـ (إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً) (٢) وقرئ تقية ، وهو نصّ في الباب.
__________________
(١) عليهالسلام ـ خ : (آ).
(٢) آل عمران ٣ : ٢٨ ذكر بعض الجهّال من النواصب في مكتوبه إلينا : أنّ في الآية إشارة إلى التقية ، وفسّر التقية أنّها عبارة عن الإدارة السلمية مع الكفار ، ولم يفهم المسكين أنّ ما ذكره ليس إلّا مجرد تغيير العبارة ، والآية صريحة في التقية ، ولا ينفع له تفسيرها بتغيير العبارة وقال : إنّ التقية تكون مع الكفار كما هو المستفاد من الآية لا مع المسلمين ، لم يفهم المسكين أيضا أنّ ما فعله الذين يسمّون أنفسهم بالمسلمين في حقّ الشيعة من القتل والفتك والتشريد والإيذاء وإلى غير ذلك من أنواع الأذى لم يفعل مثلها في حقّهم الكفار ، فالسبب الذي صرّحت الآية بجواز التقية فيه ، فذلك السبب صادر عن المسلمين في حقّ شيعة أهل البيت عليهمالسلام ، بل أشد ممّا صدر عن الكفار كما هو غير خفي على من له إلمام بالتاريخ.