أمّا الأوّل : فاعلم أنّه قد ثبت أنّه تعالى قادر على كلّ ممكن ، وأنّه عالم بالجزئيات ، وأنّ الجوهر الفرد متحقّق وكذا الخلاء ، وأنّ الإنسان عبارة عن الأجزاء الأصلية. فأمّا أن نقول بجواز إعادة المعدوم فالإمكان ظاهر بعد ثبوت المقدّمات المذكورة أو نقول بامتناع (١) إعادة المعدوم فيفسّر الإعدام بالتفريق. ولا شكّ أنّ جمع تلك الأجزاء ممكن كابتداء خلقها والأحياز خالية فتصحّ حركة بعض الأجزاء إلى بعض ، وهو تعالى قادر وعالم بكمية الأجزاء وكيفية ترتيبها ، فالإمكان ظاهر أيضا.
وأمّا الثاني ؛ فلوجوه :
الأوّل : أنّه لو لم يجب لزم بطلان الجزاء ، واللازم باطل وإلّا لزم الظلم والسفه ، وهما عليه تعالى محالان ، فكذا الملزوم.
وبيان الملازمة : أنّا نرى المطيع والعاصي يدركهما الموت من غير أن يصل إلى أحدهما ما يستحقّه ، فلو لم يحشر التوصّل (٢) إليهما الجزاء ، لزم بطلانه.
الثاني : خلق العبيد إمّا لا لغرض وهو عبث محال على الحكيم ، أو لغرض. فإمّا التعب وهو محال على الحكيم أيضا أو الراحة وهو المطلوب (٣) ، فأمّا أن تكون حاصلة في الدنيا وهو باطل ؛ لأنّ كلّ ما يعتقد في الدنيا لذّة فهو دفع ألم ، كالأكل فإنّه دفع ألم الجوع ، ولهذا فإنّ أوّل لقمة تكون ألذّ ممّا بعدها ، وكذا في الثانية بحسب ضعف ألم الجوع وكذا سائر اللذات ، وإن فرض هناك لذّة فهي قليلة لا يحسن جعلها أجزاء على هذه الآلام ، الحاصلة بالتكاليف الشاقّة ، فلم يبق إلّا أن تكون تلك الراحة حاصلة في دار أخرى ، وهي المعاد.
الثالث : تواتر النقل عن الأنبياء عليهمالسلام أنّهم أخبروا بذلك مع إمكانه ، فوجب القطع به ؛ لما علم من عصمتهم الدافعة للكذب عنهم.
لا يقال : لم لا يجوز أن يكون إخبارهم به إقامة لنظام النوع في بعث العوام على
__________________
(١) بعدم ـ خ : (د).
(٢) ليصل ـ خ : (آ).
(٣) من قوله : فإمّا التعب ـ إلى قوله : ـ وهو المطلوب ـ ساقط من ـ خ : (آ).