تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ) (١) وهو صريح في وقوع العذاب بعد الموت وقبل البعث ، وإلّا لتكرّر قوله : (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ) والأوّل عذاب القبر اتّفاقا.
الثانية : قوله تعالى في قوم نوح : (أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً) (٢) أتى بفاء التعقيب ، فيكون إدخالهم النار عقيب الإغراق ، وهو قبل يوم القيامة ، وذلك عذاب القبر.
الثالثة : (رَبَّنا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ) (٣) وهو دليل على أنّ في القبر حياة وموتا آخر وإلّا لم يكن إلّا حياة مرتين ولا الإماتة كذلك.
قيل : على هذا يكون الإحياء ثلاثا فلم ذكر مرّتين فقط.
قلنا : التخصيص بالعدد لا يثبت الزائد ولا ينفيه مع أنّ التثنية جاءت للتكثير (٤) ، كقوله تعالى : (ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ) (٥) ونحو : لبّيك وسعديك.
ومنع ضرار وجماعة من المعتزلة عذاب القبر ؛ لقوله تعالى : (لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولى) (٦) ولو عذّبهم في القبر لصاروا أحياء فيه ؛ لأنّ تعذيب الجماد غير معقول ، ولو صاروا أحياء فيه لماتوا مرّة أخرى ، فلا تكون الموتة مرّة واحدة ، هذا خلف ، ولقوله تعالى : (وَما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ) (٧) وهو دليل على أنّ من في القبر ليس بحيّ ، إذ لو كان حيا لأمكن إسماعه.
والجواب عن الأوّل : المراد أنّ نعيم الجنة لا ينقطع بالموت كما انقطع نعيم الدنيا ، وإنّما قلنا ذلك لأنّ الله تعالى أحيا كثيرا من الناس في زمن الأنبياء ثمّ أماتهم ثانيا ، فوجب حمل الآية على ما ذكرناه ؛ لأصالة عدم مجاز آخر.
وعن الثاني : أنّ عدم إسماعهم لا يلزم منه عدم إدراكهم ؛ لجواز أن لا يحصل
__________________
(١) غافر ٤٠ : ٤٦.
(٢) نوح ٧١ : ٢٥.
(٣) غافر ٤٠ : ١١.
(٤) للتكرير ـ خ : (د).
(٥) الملك ٦٧ : ٤.
(٦) الدخان ٤٤ : ٥٦.
(٧) فاطر ٣٥ : ٢٢.