مدركاتها. ثمّ إنّها بعد الموت تفقد ما رجت الوصول إليه تصير (١) معذّبة بفقدان ما رجته ، كما أشار التنزيل الشريف : (أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ ، أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللهَ هَدانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ ، أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ ، لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) (٢).
الرابعة : الخالية من الاعتقادات فقال قوم : لا تبقى هذه ؛ لأنّه لا موجب لسعادتها وشقاوتها ، فلا يحصلان فتكون معطّلة ، ولا تعطيل (٣) في الطبيعة.
وقال قوم : إنّها تبقى ولكن لا تخلو من الإدراك فهي إذن تدرك بالآلات الجسمانية ، فيجب أن تتعلّق بأبدان أخرى ، ولا تصير مبادي صور لها وإلّا لزم التناسخ ، فلا يجوز أن تكون تلك أبدان الحيوان وإلّا لاستعدّت لفيضان نفوس عليها ، بل تكون أبدان متولّدة من الأجزاء الهوائية والدخانية ، أو تكون من الأجرام السماوية من غير أن تكون مفارقة للروح.
وأمّا بحسب القوة العملية فلها مراتب ثلاث :
الأولى : ذوات الأخلاق الفاضلة ، قالوا : ولاحظ للنفس يحسّها في السعادة بالذات بل (٤) يحسّها زوال الشقاوة الحاصلة بتعلّقها بالبدن التي هي معذّبة به ، فهي مستلزمة لنفي التعذيب عن النفس ، وذلك أمر عرضي في تحصيل السعادة.
الثانية : ذوات الأخلاق الرديئة ، وهي التي اشتدّت محبتها للتعلّق بالبدن ، فهي تتعذّب لمحبتها لما زال عنها ، لكن عذابها يكون منقطعا لزوال تلك المحبّة.
والفرق بينها وبين ذوات الشقاوة أنّ تلك سبب عذابها الاعتقاد الفاسد الذي لاحظ للبدن فيه ، وهذه لا تخلو عن مفارقة البدن في استحقاق العقاب وقد زال.
الثالثة : التي لا أخلاق لها ولا اعتقاد كأنفس الصبيان ، وفي بقائها خلاف سبق هذا
__________________
(١) فيصير ـ خ : (د).
(٢) الزمر ٣٩ : ٥٦ ـ ٥٨.
(٣) معطل ـ خ : (د).
(٤) في زوال ـ خ : (آ).