من حسيّه ، وأنّ المتّصفين بعدم الكمال والخير من أرباب الجهل ، لو عقلوا ما هم عليه لتصوّروا أنّهم في أعظم الألم ممّن هو مقطع الأعضاء مصلى (١) بالنار ، ولكنّهم لانغمار عقولهم في ملابس الطبيعة لا يعقلون ، أولئك كالأنعام بل هم أضلّ ، أولئك هم الغافلون.
الخامسة : أنّ النفس الناطقة لها قوّتان : علمية وعملية. وسعادتها تكون على قدر كمالها في هاتين القوّتين ، وشقاوتها تكون بفوات الكمال فيهما ؛ لعدم استعدادها. وعدم الاستعداد قد يكون لأمر عدمي كنقصان غريزة العقل ، وقد يكون لأمر وجودي كوجود الأمور المضادّة للكمالات من الاعتقادات الفاسدة والأخلاق الذميمة ، وتلك قد تكون راسخة وقد تكون غير راسخة ، وتشترك بجملتها في كونها رذائل ، كما تشترك مراتب السعادة في كونها فضائل.
السادسة : قالوا : إنّ النفس بحسب القوّة العلمية إمّا أن تكون ذات عقائد (٢) أو لا تكون ، وذات العقائد إمّا أن تكون مطابقة أو لا ، والمطابقة إمّا أن يحصل لها ذلك بالبرهان أو لا ، فهذه مراتب أربع :
الأولى : ذات العقائد البرهانية المطابقة وهي من أهل السعادة ؛ لحصول (٣) الكمال الذي هو العلم الملائم للنفس لها ، بأن يتمثّل صور المعقولات فيها ، فتلتذّ بعد المفارقة بمشاهدة ما اكتسبته ووجدان ما أدركته ، فكأنها كانت ذات إدراك فصارت ذات نيل.
الثانية : ذوات العقائد المطابقة غير البرهانية ينبغي أن يحكم لها بالسعادة.
الثالثة : ذات العقائد غير المطابقة وذوات الجهل المركّب ، وهؤلاء هم أصحاب الشقاوة العظيمة ؛ لأنّهم مشتاقون إلى المعارف راجون لها ، وهي غير حاصلة لهم ، فهم (٤) بسبب تمثّل أضداد الكمال فيها واعتقادها فيها الكمال ، رجت الوصول إلى
__________________
(١) الصلى : الحرارة.
(٢) وإمّا أن لا ـ خ : (آ).
(٣) بحصول ـ خ : (د).
(٤) فهي ـ خ : (د).