التعقّل للذات الظاهرة بحسب ما يمكن ، وللماهيات الكلية على ما هي عليه بحسب طاقتها ، فإدراكها كذلك لذّة لها (١) ، وإنكاره مكابرة.
الثالثة : أنّ اللّذة العقلية أقوى من الحسية كيفا وكمّا وأشرف منها.
الأوّل فظاهر ؛ فإنّ العلماء الراسخين في التحقيق لا يختارون اللذات الحسية بأجمعها على أقل لذّة عقلية.
وبيانه تفصيلا : أمّا كيفا ؛ فإنّ العقل يصل إلى كنه المعقول وإلى ذاتياته وعوارضه ، ويقسّم الذاتي إلى الجنس والفصل ، والعوارض إلى المختصّ والمشترك. وبالجملة يدرك الماهية على ما هي عليه ، وأمّا الحسّ فيدرك ظاهر المحسوس وكيفيته القائمة بالسطح حال حضوره حتّى لو غاب زال إدراكه ، بخلاف العقل فإنّه مدرك مطلقا.
وأمّا كمّا ؛ فإنّ عدد المعقولات لا تتناهى ، فإنّه ما من معقول إلّا ويتصوّر له مناسب ، وللمناسب مناسب وهكذا ، بخلاف المحسوسات فإنّها محصورة متناهية.
وأمّا الثاني ؛ فلأنّ العقل (٢) يدرك واجب الوجود تعالى ، وهو أكمل الموجودات وأشرف ، بخلاف الحسية فإنّها تدرك الأشياء الفانية الخسيسة (٣) ، وهذا الإدراك يختلف بحسب اختلاف المدرك.
الرابعة : حيث عرفت معنى اللذة وانقسامها إلى الحسّي والعقلي ، فإنّ عقليّها (٤) أقوى وأشرف من حسّيها (٥) فكذلك ينبغي أن تعرف معنى الألم.
ونورد تعريفه على طرز تعريفها بإبدال الكمال والخير بالنقص والشرّ ، فنقول : هو إدراك ونيل لما هو نقص وشرّ من حيث هو نقص وشر بالنسبة إلى المدرك والنائل ، ونقسّمه إلى الحسي والعقلي بحسب الإدراك ، ونحكم بأنّ عقليّة أيضا أعظم نكالا
__________________
(١) إيّاه ـ خ : (د).
(٢) العقلية ـ خ : (د).
(٣) فإنّها يدرك الأشياء الفانية الخسيسة ـ خ : (د).
(٤) عقليتها ـ خ : (د).
(٥) حسيتها ـ خ : (د).