بباق ، فلا شيء من الروح ببدن.
واعلم أنّ هذه الأدلّة كلّها تدلّ على أنّ هناك أمرا مغايرا للبدن ، وأمّا على أنّه مجرّد فلا ؛ لجواز أن يكون جوهرا لطيفا له تعلّق بالبدن ، وله قوى خاصّة يقوى بها على أمور يعجز البدن عنها ، والنقل صريح به ؛ لأنّ القتل والرفرفة يستلزمان الجسمية (١).
الثانية : اللذة ، وعرّفها ابن سينا (ره) بأنّها إدراك ونيل لما هو خير وكمال من حيث هو خير وكمال بالنسبة إلى المدرك والنائل ، فالإدراك حصول صورة من المدرك عند المدرك ، والنيل : الإصابة والوجدان ، فلهذا لم يقتصر على الأوّل ؛ لأنّ حصول الصور (٢) المساوية للشيء لا يستلزم حصول ذاته ، كمن أدرك صورة حسنة ولم ينلها ، وكذا لم يقتصر على الثاني ؛ لعدم دلالته على الإدراك كمن نال محبوبه ولم يشعر به ، فالكمال والخير هما حصول شيء يناسب شيئا ويصلح له ، والفرق بينهما اعتباري ؛ فإنّ حصول الشيء المناسب كمال باعتبار البراءة من القوة والخير باعتبار الملائمة والإيثار ، وقيّد بالحيثية لأنّ الشيء قد يكون كمالا وخيرا من جهة دون أخرى ، وكذا قيّده بالنسبة إلى المدرك لأنّ اللذة ليست إدراك اللذيذ فقط بل إدراك حصول اللذيذ للمتلذّذ ، ولذلك قال : «عند المدرك» لأنّ من لا يعتقد كمالية الشيء وخيريته لا يكون إدراكه له لذّة وبالعكس يكون لذة ، فليس الاعتبار بما في نفس الأمر.
ثمّ الإدراك يختلف بحسب اختلاف القوى المدركة ، وكلّ واحد منها يخصّها كمال لا يشاركها غيرها فيه ، كالإبصار للصورة الحسنة والسمع للصوت الطيّب الحسن (٣) ، وكذا باقي القوى الظاهرة والباطنة ، وكذا القوة العقلية لها أيضا كمال يخصّها ، وهو
__________________
(١) ولعلّ هذه الجسمية المستفادة من النقل بالنظر إلى البدن الجسماني البرزخي الشفاف الرقيق الذي له اتّحاد مع الروح المجرّد ، والنفس الناطقة باقية معه مدّة البرزخ إلى يوم البعث ، فيعودان إلى البدن العنصري الدنيوي أو يجذبان البدن إليهما عند البعث ، والنقل ظاهر ، بل صريح في بيان أوصاف البدن الجسماني البرزخي. فراجع الأخبار الواردة عن أهل البيت عليهمالسلام وتأمّل فيها ولا تقلّد أحدا في هذه المباحث ؛ فإنّها من الواجبات المشروطة بحصول العلم للمكلّف كما نبيّن ذلك في محلّه من التعليقات.
(٢) الصورة ـ خ : (آ).
(٣) من الحسّ ـ خ : (آ).