فنقول : استدلّوا عليه بالمعقول والمنقول.
أمّا الأوّل (١) ؛ فلوجوه (٢) :
الأوّل : إنّ الإنسان كلّما بالغ في التخلّي عن الدنيا وأهلها ، كان عقله وتمييزه وحدسه وعلمه وجميع الصفات التي بها يمتاز عن غيره من الحيوانات أقوى ، وإذا تخلّى عن ظاهر بدنه بالنوم يطّلع على المغيّبات ، وإذا كان منغمسا (٣) في الدنيا ومعالجة أمورها كان الأمر بالعكس ، وهذا يدلّ على أنّ النفس الإنسانية غير هذا البدن وأجزائه وأعراضه ، وأنّها مباينة له في ذاتها وأفعالها.
الثاني : أنّ البدن وأجزاءه وقواه كلّما قويت ضعف إدراك النفس ، وكلّما ضعفت بالرياضة ونفي الكبر وغير ذلك قوي إدراكها ، ولو كانت هي البدن أو جزءا من أجزائه أو قوة من قواه لكان الأمر بالعكس.
الثالث : أنّ النفس لو كانت جسما أو جسمانيا لكلّت وفترت بكثرة أفعالها مثلها ، لكنها ليست كذلك ، بل كلّما كثرت تصرّفاتها وإدراكاتها كانت أقوى في ذاتها وإدراكاتها.
وأمّا المنقول فوجهان :
الأوّل : قوله تعالى : (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ) (٤).
وجه الدلالة : أنّه لا شيء من الإنسان من الإنسان المقتول بميّت ، وكلّ بدن ميت ، ينتج أنّه ليس ببدن والصغرى ثابتة بالآية والكبرى ضرورية.
الثاني : قول النبي صلىاللهعليهوآله في بعض خطبه : «حتّى إذا حمل الميّت على نعشه رفرفت روحه فوق النعش ويقول : يا أهلي ويا ولدي لا تلعبنّ بكم الدنيا كما لعبت بي» وهو دليل على أنّ الروح باقية بعد الموت لوصفها بالرفرفة ، ولا شيء من البدن وأجزائه
__________________
(١) أي المعقول.
(٢) بوجوه ـ خ : (آ).
(٣) منغمرا ـ خ : (آ).
(٤) آل عمران ٣ : ١٦٩ ، ويستفاد أيضا تجرّد النفس من الآية من قوله تعالى : (عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) انظر إلى تعاليقنا في آخر الكتاب.