ثمّ قال المعاصر رحمهالله تعالى : «بل هو نفسه ينقل عن بعض الأصحاب التصريح بذلك حيث يقول فيه : وهو الذي يعبّر عنه في فقهيات متأخّري أصحابنا بالفاضل السيوري ، وينقل عن كتابه في آيات الاحكام كثيرا ، وكنيته أبو عبد الله ، وفي بعض المواضع صفته أيضا بالغروي «نزلا» وكأنّه كان من جملة متوطّني ذلك المشهد المقدّس حيّا وميتا (١)».
قلت : لا شكّ أنّ الفاضل المقداد (ره) كان من متوطّني النجف الأشرف وساكنا في أرض الغري المقدّسة ، ومن فقهائنا الذين سكنوا فيها طيلة حياتهم الشريفة ، وكان بلد «الحلّة» يومئذ يعدّ مركزا للعلم والأدب ، لقرب توطّن أبطال الفقه أمثال المحقّق صاحب الشرائع وابن أخته آية الله العلّامة وقبلهما سيّد الأمة رضي الملّة والدين السيّد ابن طاوس (ره) وأمثالهم من الأكابر في تلك البلدة الشريفة مركز الشيعة ومحطّ رحالهم.
وكانت الحلّة مسقط رأس الفاضل المصنّف (ره) ، ولذلك كان يرحل إليها أيضا ، ولكن عمدة توطّنه كان في النجف الأشرف بلد العلم والأدب ومركز دائرة الفقاهة والاجتهاد والمرجعية العامة للشيعة الإمامية في العالم الإسلامي. والعلماء لم يتركوا التوطّن فيها طيلة القرون والأدوار السالفة حتّى أنّ السيّد ابن طاوس وتلميذه العلّامة قدسسرهما كانا في الأغلب من الملتجئين لأعتاب باب مدينة علم النبي صلىاللهعليهوآله ، وفخر المحقّقين قدسسره كان متوطّنا فيها وتتلمذ الفاضل المصنّف (ره) عنده في تلك الأرض المقدّسة.
وقد ذكرنا فيما سبق أنّه حضر عند الشيخ الشهيد الأول قدسسره في أرض الغري ، ويظهر من ذلك أنّ الشهيد (ره) سكن فيها واستفادت الطلّاب من نمير علمه المتدفّق وفقهه الفيّاض في تلك الجامعة العلمية.
وكان وفاة الفاضل المصنّف (ره) في ذلك المشهد المقدّس ، وصرّح تلميذه الفاضل الحسن بن راشد الحلّي (ره) أنّه دفن في مقابر المشهد المذكور كما عرفت تعبيره بما عبّرنا به فيما سبق ، ولا يبعد أن يكون مراده من «مقابر المشهد المذكور» هو المقبرة الكبرى «وادي السلام» وبعد الدفن فيها أو في غيرها من مقاربي الحرم العلوي والمشهد المرتضوي بعيد في الغاية أن
__________________
(١) الروضات ، ج ٧ ، ص ١٧١ ، طبعة قم.