__________________
ـ الأذن باهتزازات الصوت والانتفاع بها وإن كانت موجودة بأجلى مظاهرها ، فكذلك التعصّب مانع عن تأثّر القلب بالحقّ وانتفاعه به.
الثاني : الشجاعة الأدبية ، وضابطها أن يقول الإنسان الحقّ ولو على نفسه ، فيجزم به متى قام الدليل القطعي عليه ، ولا يتردّد فيه ولا يتبع طريقة الآباء إن كانت على خلافه ولا يبالي في إظهار الحقّ من سطوة أيّ صاحب سلطة وبطش صاحب صولة ويعتقد الحقّ ويصدع به رغم كل مشقّة وعقبة وصعوبة ، فإنّ حبّ الحقّ بنفسه وانتظار الفوز العظيم الأبدي والنجاة من الخلود في شديد العذاب يهون في سبيلها كلّ صعب وتعب ومستصعب.
الثالث : مجانبة الهوى ، وضابطه توطين النفس على قبول ما قام الدليل القطعي على حقيقته سواء كان موافقا لميل نفسه أو مخالفا لها فإنّ مجانبة الهوى هي الموصلة إلى سبيل النجاة واتّباعه هو المردي والموقع في الهلكات.
الرابع : ترك الملاذّ والشهوات ، فإنّ الانهماك فيها يصدّ عن الوصول إلى الحقّ ولا سيما ما يضيع الأوقات منها كالملاهي من الغناء والقمار والشطرنج وما شاكلها ، وما يخرج الإنسان عن فطرته التي فطر عليها ويذهب بأشرف ما لديه من النعم ، وهو العقل الذي فضّل به على مشاركاته في الحياة من العجماوات كإدمان المسكرات وما يحرّك بالإنسان القوّة الغضبية والشهوية فيجعله شرّ دوابّ الأرض المؤذية منهمكا بالظلم والعدوان محبّا للاستيلاء والاستئثار بالسطوة والسلطان مولعا بغصب الأملاك وتضييع الحقوق وإزهاق النفوس وترويع النساء والشيوخ والأطفال ، إلى غير ذلك من المنكرات التي تطرد الإنسان عن واضح الحقّ وسنن الهداية ويرتكبها فراعنة الزمان وأبالسة الدوران.
الخامس : الصبر والثبات في مقام النظر والتتبع ، ويفتقر ذلك إلى توظيف وقت خاصّ للنظر في الأدلة ، وأن لا يجزع إذا لم يتّضح له الحقّ بسرعة ، فليس من العقل أن يصرف الإنسان حياته فيما استيقن إقلاعه عنه وزواله وسرعة مفارقته من عرض الدنيا الفانية ولا يوظّف شطرا من حياته للنظر في أمر يحتمل أنّه ملاقيه ويخلد فيه ولا ينفكّ عنه فإمّا عذاب أبدي وإمّا نعيم سرمدي.
السادس : أن يجرّد نفسه حين التتبع والنظر في الأدلّة عن كلّ غرض وشبهة ، ويفرغ باله عن كل ما كان يسمعه من آبائه وأهل نحلته بلا بيّنة ولا برهان حتى يكون كأنّه في أول يوم مجيئه إلى الدنيا ، لم ينتسب بعد إلى طريقة ولم ينتحل نحلة ولم ينتم إلى أهل ملّة لا يهمه إلّا معرفة الحقّ ليتبعه.
هذا ما ذكره بعض مما يهمّ ذكره من بعض المقدمات لإكمال النظر الذي يؤمن معه من الضرر ، فإذا لم يكن الإنسان على عدّة منها صار بينه وبين الحقّ حاجب كثيف وعلى بصره غشاوة لا يدرك الحقّ من ورائها وإن كان الانسان على غاية من الكمالات الظاهرية في جميع الفنون والعلوم والصنائع.
وهذا هو السرّ في أنّك ترى كثيرا ممّن توصل بمداركه وتجاربه إلى غرائب الفنون وأتى بعجائب المخترعات وتوصّل إلى استخدام البخار والحديد والنار وتسخير الماء والفضاء والهواء ، ثمّ زاغ عن الحقّ ومرق عن سبيل النجاة ، لتعصب صدّه أو هوى أراده أو ملاذّ وشهوات أهلكته أو شبه لم يجرّد نفسه منها فأوقعته فى ـ