أبي طالب (١).
كان أبو هريرة يلقّب بشيخ المضيرة (طعام يطبخ باللّبن المضر ، أي الحامض) وقد نالت هذه المضيرة من عناية العلماء والكتاب والشعراء ما لم ينله مثلها من أصناف المآكل والحلويّات. وظلّوا يتندرون بها ويغمزون أبا هريرة قرونا طويلة من أجلها.
قال الثعالبي ، وكان أبو هريرة تعجبه المضيرة جدّا ، فيأكل مع معاوية ، فإذا حضرت الصلاة صلّى خلف عليّ عليهالسلام ، فإذا قيل له في ذلك ، قال : مضيرة معاوية أدسم وأطيب ، والصلاة خلف عليّ أفضل وأتمّ. ومن كلامه : ما شممت رائحة أطيب من رائحة الخبز الحار ، وما رأيت فارسا أحسن من زبد على تمر (٢).
وقد أخذ العلماء على أبي هريرة كثرة حديثه عن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم مع قلّة صحبته وقلة بضاعته حينذاك ، ومن ثمّ رموه بالتدليس والاختلاق. كان يسمع الحديث من أحد الصحابة ثم يدلّس ، فيرفعه إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم.
وكان كثيرا ما يسمع الحديث من أهل الكتاب ولا سيّما كعب الأحبار ، فيسنده إلى النبيّ أو أحد كبار صحابته تدليسا وتمويها على العامّة.
فقد روى مسلم عن بسر بن سعيد ، قال : اتّقوا الله وتحفّظوا من الحديث. فو الله لقد رأيتنا نجالس أبا هريرة فيحدّث عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم ويحدّث عن كعب الأحبار ، ثم يقوم ، فأسمع بعض من كان معنا يجعل حديث رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم عن كعب ، وحديث كعب عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم. وفي رواية : يجعل ما قاله كعب
__________________
(١) راجع : فتح الباري ، ج ٧ ، ص ٦٢.
(٢) الأضواء لأبي ريّة ، ص ١٩٥ ـ ١٩٩.