الأحبار.
وإليك مثلا ما رواه أحمد عن أبي هريرة أنّ رسول الله قال : «إن في الجنة لشجرة يسير الراكب في ظلّها مائة عام ، اقرءوا إن شئتم : وظلّ ممدود» (١).
ولم يكد أبو هريرة يروي هذا الحديث حتى أسرع كعب ، فقال : صدق والذي أنزل التوراة على موسى والفرقان على محمد ، لو أنّ رجلا ركب حقّة أو جذعة ثم دار بأعلى تلك الشجرة ما بلغها حتى يسقط هرما! وهكذا كانا ـ كعب وأبو هريرة ـ يتعاونان على نشر مثل هذه الخرافات. ومن العجيب أن يروي مثل هذا الخبر الغريب أيضا وهب بن منبّه في أثر غريب ، فيرجع إليه من أراده (٢).
هلك أبو هريرة سنة (٥٩) عن (٨٠) سنة بقصره بالعقيق ، وحمل إلى المدينة ودفن بالبقيع ، وصلى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان ، وكان أميرا على المدينة تكريما له. ولما كتب الوليد إلى عمّه معاوية ينعى إليه أبا هريرة ، أرسل إليه معاوية : «انظر من ترك ، وادفع إلى ورثته عشرة آلاف درهم ، وأحسن جوارهم ، وافعل إليهم معروفا». قال أبو ريّة : وهكذا يترادف رفدهم له حتى بعد وفاته (٣).
قال السيد رشيد رضا بشأن أبي هريرة : كان إسلامه في سنة (٧ ه) ، فصحب رسول الله ثلاث سنين ونيفا ، فأكثر أحاديثه لم يسمعها من النبي. وإنما سمعها من الصحابة والتابعين. فإذا كان جميع الصحابة عدولا في الرواية ـ كما يقول جمهور المحدّثين ـ فالتابعون ليسوا كذلك ، وقد ثبت أنه كان يسمع من كعب الأحبار ، وأكثر أحاديثه عنه ، على أنه صرّح بالسماع من النبي ، في حديث «خلق الله التربة
__________________
(١) الأضواء ، ص ٢١٠.
(٢) راجع : تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٥١٣ ـ ٥١٤.
(٣) الأضواء ، ص ٢١٨.