الجبل من عظمة الرب جلّ جلاله ورفعت ملائكة السماوات أصواتهم جميعا ، يقولون : سبحان الملك القدوس ، رب العزة أبدا لا يموت ، بشدة أصواتهم. فارتج الجبل ، واندكت كل شجرة كانت فيه ، وخرّ العبد الضعيف موسى صعقا على وجهه ، ليس معه روحه ، فأرسل الله برحمته الروح ، فتغشّاه ، وقلب عليه الحجر الذي كان عليه موسى ، وجعله كهيئة القبّة ، لئلا يحترق موسى (١) ، فأقام موسى يسبّح الله ، ويقول : آمنت بك ربّي ، وصدقت أنه لا يراك أحد ، فيحيا ، من نظر إلى ملائكتك انخلع قلبه ، فما أعظمك وأعظم ملائكتك ، أنت رب الأرباب وإله الآلهة وملك الملوك ، ولا يعدلك شيء ، ولا يقوم لك شيء ، رب تبت إليك ، الحمد لله لا شريك لك ، ما أعظمك ، وما أجلّك رب العالمين ، فذلك قوله تعالى : (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا) ، وبعد أن ذكر الأقوال الكثيرة فيما تبدّى من نور الله ، قال : ووقع في بعض التفاسير : طارت لعظمته ستة أجبل ، وقعت ثلاثة بالمدينة : أحد ، وودقان ، ورضوى ، ووقعت ثلاثة بمكة : ثور ، وثبير ، وحراء (٢).
وهذه المرويات وأمثالها مما لا نشك أنها من إسرائيليات بني إسرائيل ، وكذبهم على الله ، وعلى الأنبياء ، وعلى الملائكة ، فلا تلق إليه بالا. وليس تفسير الآية في حاجة إلى هذه المرويات ، والآية ظاهرة واضحة.
ومن ذلك أيضا : ما ذكره الثعلبي ، والبغوي ، والزمخشري في تفاسيرهم عند قوله تعالى : (وَخَرَّ مُوسى صَعِقاً) أي مغشيّا عليه ، وليس المراد ميتا كما قال قتادة.
__________________
(١) وهذا تهافت آخر ، وأمارة من أمارات الاختلاق ؛ أليس الله بقادر على حمايته من غير الروح ، والحجر؟
(٢) تفسير البغوي ، ج ٢ ، ص ١٩٥ ـ ١٩٨.