البطلة التي أعيتها الحيل عن طريق التزيّن حينا ، والتودّد إليه بمعسول القول حينا آخر ، والإرهاب والتخويف حينا ثالثا ، فلم تفلح : (لَئِنْ لَمْ يَفْعَلْ ما آمُرُهُ لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُوناً مِنَ الصَّاغِرِينَ)(١).
وانظر ما ذا كان جواب السيد العفيف ، الكريم ابن الكريم ، ابن الكريم ، ابن الكريم : يوسف بن يعقوب ، بن إسحاق ، بن إبراهيم عليهمالسلام : (قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)(٢) وقصده عليهالسلام بقوله : (وَإِلَّا تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ ...) : تبرؤ من الحول والطول ، وأن الحول والقوّة إنّما هما من الله ، وسؤال منه لربّه ، واستعانة به على أن يصرف عنه كيدهنّ ، وهكذا شأن الأنبياء.
بل قد شهد الشيطان نفسه ليوسف عليهالسلام في ضمن قوله ، كما حكاه الله سبحانه عنه بقوله : (قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(٣) ، ويوسف بشهادة الحق السالفة من المخلصين.
وكذلك شهد ليوسف شاهد من أهلها (٤) ، فقال : (إِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ قُبُلٍ فَصَدَقَتْ وَهُوَ مِنَ الْكاذِبِينَ. وَإِنْ كانَ قَمِيصُهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ فَكَذَبَتْ وَهُوَ مِنَ الصَّادِقِينَ. فَلَمَّا رَأى قَمِيصَهُ قُدَّ مِنْ دُبُرٍ قالَ إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ)(٥) ، وقد أسفر
__________________
(١) يوسف / ٣٢.
(٢) يوسف / ٣٣ و ٣٤.
(٣) ص / ٨٢ و ٨٣.
(٤) قيل : كان رجلا عاقلا حكيما مجربا من خاصة الملك. وكان من أهلها ، وقيل : كان صبيا في المهد وكان ذلك إرهاصا بين يدي نبوة يوسف ، إكراما له.
(٥) يوسف / ٢٦ ـ ٢٨.