عباس مرفوعا ، قال : قال النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم : «لو لم يقل ـ يعني يوسف ـ الكلمة التي قالها ، ما لبث في السجن طول ما لبث ، حيث يبتغي الفرج من عند غير الله».
ولو أن هذا الحديث كان صحيحا أو حسنا ؛ لكان للمتمسّكين بمثل هذه الإسرائيليات التي أظهرت سيدنا يوسف بمظهر الرجل المذنب المدان وجهة ، ولكن الحديث شديد الضعف ، لا يجوز الاحتجاج به أبدا.
قال الحافظ ابن كثير : «وهذا الحديث ضعيف جدا (١) ؛ لأن سفيان بن وكيع ـ الراوي عنه ابن جرير ـ ضعيف ، وإبراهيم بن يزيد أضعف منه أيضا ، وقد روى عن الحسن وقتادة مرسلا عن كل منهما ، وهذه المرسلات هاهنا لا تقبل (٢) ، ولو قبل المرسل من حيث هو في غير هذا الموطن ، والله أعلم» (٣). وقد تكلّف بعض المفسرين للإجابة عما يدل عليه هذا الحديث. وحاله كما سمعت. بل تكلّف بعضهم ، فجعل الضمير في «فأنساه» ليوسف ، وهو غير صحيح ، لأنّ الضمير يعود إلى الذي نجا منهما ؛ بدليل قوله تعالى بعد ذلك : (وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ ...) فالذي تذكر هو الذي أنساه الشيطان ، والذي يجب أن نعتقده أن يوسف عليهالسلام مكث في السجن ـ كما قال الله تعالى ـ بضع سنين.
والبضع : من الثلاث إلى التسع ، أو إلى العشر ، من غير تحديد للمدة ، فجائز أن تكون سبعا ، وجائز أن تكون تسعا ، وجائز أن تكون خمسا ، ما دام ليس هناك نقل صحيح عن المعصوم صلىاللهعليهوآلهوسلم ، وكذلك نعتقد أنه لم يكن عقوبة على كلمة ،
__________________
(١) الضعيف جدا لا يحتج به لا في الأحكام ولا في الفضائل ، فما بالك في مثل هذا؟
(٢) لأن المرسل احتج به بعض المحدّثين إذا تضافر أما في مثل هذا الذي فيه إدانة بعض الأنبياء ، وإلقاء اللوم عليه فلا.
(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٢ ، ص ٤٧٩.