كلّه ، وأمم في وسط الأرض منهم الجن والإنس ، ويأجوج ومأجوج. ثم استرسل في ذكر أوصافه ، وما وهبه الله من العلم والحكمة ، وأوصاف الأقوام الذين لقيهم ، وما قال لهم ، وما قالوا له ، وفي أثناء ذلك يذكر ما لا يشهد له عقل ولا نقل. وقد سوّد بهذه الأخبار نحو أربعة صحائف من كتابه (١) ، وكذلك ذكر روايات أخرى في سبب تسميته بذي القرنين ، بما لا يخلو عن تخليط وتخبّط. وقد ذكر ذلك ـ عن غير ابن جرير ـ السيوطي في «الدرّ» ، قال : «وأخرج ابن إسحاق ، وابن المنذر ، وابن أبي حاتم ، والشيرازي في الألقاب ، وأبو الشيخ ، عن وهب بن منبّه اليماني ـ وكان له علم بالأحاديث الأولى ـ أنه كان يقول : كان ذو القرنين رجلا من الروم ، ابن عجوز من عجائزهم ، ليس لها ولد غيره ، وكان اسمه الإسكندر ، وإنما سمّي ذا القرنين ؛ أن صفحتي رأسه كانتا من نحاس ...» (٢) وأنا لا أشك في أن ذلك مما تلقاه وهب عن كتبهم ، وفيها ما فيها من الباطل والكذب ، ثم حملها عنه بعض التابعين ، وأخذها عنهم ابن إسحاق وغيره من أصحاب كتب التفسير والسير والأخبار. ولقد أجاد وأفاد الإمام الحافظ ابن كثير ، حيث قال في تفسيره : «وقد ذكر ابن جرير هاهنا عن وهب بن منبّه أثرا طويلا ، عجيبا في سير ذي القرنين ، وبنائه السد ، وكيفية ما جرى له ، وفيه طول ، وغرابة ، ونكارة ، في أشكالهم ، وصفاتهم وطولهم ، وقصر بعضهم ، وآذانهم. وروى ابن أبي حاتم عن أبيه في ذلك أحاديث غريبة ، لا تصحّ أسانيدها ، والله أعلم» (٣). وحتى لو صح الإسناد فيها ، فلا شك في أنها من الإسرائيليات ؛ لأنه لا تنافي بين الأمرين ، فهي صحيحة
__________________
(١) جامع البيان ، ج ١٦ ، ص ١٤ ـ ١٨.
(٢) الدر المنثور ، ج ٤ ، ص ٢٤٢ ـ ٢٤٦.
(٣) تفسير ابن كثير ، ج ٣ ، ص ١٠٤. وتفسير البغوى ، ج ٣ ، ص ١٧٨.