وبابنه يعقوب ، قال تعالى : (فَبَشَّرْناها بِإِسْحاقَ وَمِنْ وَراءِ إِسْحاقَ يَعْقُوبَ)(١).
فمحال أن يبشرها بأن يكون لها ولد ، وللولد ولد ، ثم يأمر بذبحه. ولا ريب أن يعقوب عليهالسلام داخل في البشارة ، ويدل عليه أيضا أن الله ذكر قصة إبراهيم وابنه الذبيح في سورة الصافات ، ثمّ قال ـ بعدها ـ : (وَبَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ)(٢). وهذا ظاهر جدّا في أن المبشّر به غير الأول ، بل هو كالنص فيه ، وغير معقول في أفصح الكلام وأبلغه أن يبشّر بإسحاق بعد قصة يكون فيها هو الذبيح ، فتعيّن أن يكون الذبيح غيره.
وأيضا فلا ريب أن الذبيح كان بمكة ؛ ولذلك جعلت القرابين يوم النحر بها ، كما جعل السعي بين الصفا والمروة ، ورمي الجمار تذكيرا لشأن إسماعيل وأمّه ، وإقامته لذكر الله ، ومعلوم أن إسماعيل وأمه هما اللذان كانا بمكة دون إسحاق وأمّه.
ولو كان الذبح بالشام كما يزعم أهل الكتاب ؛ لكانت القرابين والنحر بالشام ، لا بمكة ، وأيضا فإن الله سبحانه سمّى الذبيح حليما ؛ لأنه لا أحلم ممن أسلم نفسه للذبح طاعة لربه ، ولمّا ذكر إسحاق سماه عليما : (قالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ)(٣). وهذا إسحاق بلا ريب ؛ لأنه من امرأته وهي المبشرة به ، وأما إسماعيل فمن السرية (٤) ، وأيضا فلأنهما بشّرا به على الكبر واليأس من الولد ، فكان ابتلاؤهما بذبحه أمرا بعيدا ، وأما إسماعيل فإنه ولد قبل ذلك ... إلى آخر ما
__________________
(١) هود / ٧١.
(٢) الصافات / ١١٢.
(٣) الذاريات / ٢٨.
(٤) أي الجارية.