كائن ، ثم رفع بخار الماء ، وخلقت منه السماوات ، ثم خلق النون ، فبسطت الأرض عليه ، فاضطرب النون ، فمادت الأرض (١) ، فأثبتت بالجبال. وقد روي عن ابن عباس أيضا : أنه الدواة ، ولعل هذا هو الأقرب ، والمناسب لذكر القلم. وقد أنكر الزمخشري ورود «نون» بمعنى الدواة ، في اللغة ، وروي عنه أيضا : أنه الحرف الذي في آخر كلمة (الرَّحْمنُ) ، وأن هذا الاسم الجليل فرق في (الر) و (حم) و (ن).
واضطراب النقل عنه يقلل الثقة بما روي عنه ، ولا سيما الأثر الأول عنه ، والظاهر أنه افتراء عليه ، أو هو من الإسرائيليات ألصق به.
وإليك ما قاله الإمام ابن قيم الجوزية ، قال في أثناء كلامه على الأحاديث الموضوعة : ومن هذا حديث أن قاف : جبل من زمردة خضراء ، محيط بالدنيا كإحاطة الحائط بالبستان ، والسماء واضعة أكنافها عليه.
ومن هذا حديث : أن الأرض على صخرة ، والصخرة على قرن ثور ، فإذا حرّك الثور قرنه ، تحرّكت الصخرة ، فهذا من وضع أهل الكتاب الذين قصدوا الاستهزاء بالرسل. وقال الإمام أبو حيان في تفسيره : لا يصح من ذلك شيء ما عدا كونه اسما من أسماء حروف الهجاء (٢).
__________________
(١) تحركت ومالت.
(٢) والصحيح عندنا ـ على ما أسلفنا البحث فيه في التمهيد (ج ٥ ص ٣٠٥ ـ ٣١٤) ـ : أنّ هذه الحروف المقطّعة في اوائل السور ، هي إشارات رمزيّة إلى أسرار بين الله ورسوله ، ولم يهتد إليها سوى المأمونين على وحيه. ولو كان يمكن الاطّلاع عليها لغيرهم لم تكن حاجة إلى الرمز بها.
نعم لا يبعد اشتمالها على حكم وفوائد تزيد في فخامة مواضعها في مفتتحات السور ، حسبما احتملته قرائح العلماء ، فيما ذكروه من فوائد. والله العالم بحقائق أسراره.