لما ظهر للأبصار أم هي بخلاف ذلك؟ قيل : قد اختلف أهل التأويل في صفة ذلك ، وسنخبر بصفته بعد ذكرنا قولهم.
ثم ذكر قول مجاهد ، بإسناده عن الأعمش ، قال : أرانا مجاهد بيده فقال : كانوا يرون أن القلب في مثل هذا ، يعني الكفّ. فإذا أذنب العبد ذنبا ضم منه ، وقال بإصبعه الخنصر هكذا. فإذا أذنب ضم ، وقال بإصبع أخرى ـ فإذا أذنب ضم ، وقال بإصبع أخرى هكذا ، حتى ضم أصابعه كلها ، قال : ثم يطبع بطابع. قال مجاهد ، وكانوا يرون أن ذلك الرّين.
وذكر قولا آخر لبعضهم : أن «الختم» هنا كناية عن تكبّرهم وإعراضهم عن الاستماع لما دعوا إليه من الحق ، كما يقال : إن فلانا لأصمّ عن هذا الكلام ، إذا امتنع من سماعه ورفع نفسه عن تفهّمه تكبرا.
قال : والحق في ذلك عندي ما صحّ بنظيره الخبر عن رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم وهو ما رواه أبو هريرة ، قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : إن المؤمن إذا أذنب ذنبا كان نكتة سوداء في قلبه ، فإن تاب ونزع واستغفر ، صقل قلبه ، فإن زاد زادت حتى يغلف قلبه ، فذلك «الران» الذي قال الله ـ جلّ ثنائه ـ : (كَلَّا بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ)(١).
فأخبر صلىاللهعليهوآلهوسلم أن الذنوب إذا تتابعت على القلوب أغلفتها ، وإذا أغلفتها أتاها حينئذ الختم من قبل الله عزوجل والطبع ، فلا يكون للإيمان إليها مسلك ، ولا للكفر منها مخلص. ثم أخذ في مناقشة القول الثاني ، وفصّل الكلام فيه على عادته في مناقشة الأقوال (٢).
__________________
(١) المطففين / ١٤.
(٢) تفسير الطبري ، ج ١ ، ص ٨٧.