الإسلامية حينذاك.
وقد أسبقنا أن من ميزات تفسير التابعين ، فتح باب الاجتهاد والتوسع فيه ، وهكذا دأب من جاء بعدهم على التوسّع في النظر ، والتنوع في أبعاده ومراميه.
نعم كانت آفة ذلك ـ لدى الخروج عن دائرة التوقيف ، وولوج باب النظر وإعمال الرأي ـ هو خشية أن ينخرط التفسير في سلك التفسير بالرأي الممقوت عقلا ، والممنوع شرعا ؛ حيث لا يؤمن من عاقبة ذلك أن تزلّ قدم أو تهوي إلى مكان سحيق ، وبالفعل قد سقط أناس كثير.
ومن ثمّ تجب معرفة حدود «التفسير بالرأي» والوقوف على ثغوره ، وجوانبه وأبعاده ؛ لغاية الاجتناب عنه.
ونحن قد أوفينا الكلام حول مسألة «التفسير بالرّأي» (١) ويتلخّص في أنّ الممنوع منه هو ما كان بأحد وجهين :
١ ـ الاستبداد بالرأي في تفسير كلامه تعالى ، فيعتمد ما حانت له نظرته الخاصة ، غير مبال بما قاله العلماء من قبله ، فيعمد إلى تفسير آية ، اعتمادا على ما فهمه من لغة وأدب مجرّد ، من غير مراجعة لأقوال السلف ونظراتهم وتوجيهاتهم ، والمسالك التي سلكوها في فهم الآية ، وربما كانت قرائن ودلائل حافّة ، لا ينبغي التغافل عنها. من ذلك معرفة أسباب النزول ، وشرح الحوادث المقارنة لنزول الآية ، والمناسبة الّتي استدعت نزولها ، وكذا المأثور من كلام النبي والصحابة الأوّلين ، مما يعين على فهم كلام الله النازل على رسوله. وإنما يعرف القرآن من خوطب به ، فإغفال ذلك وإعفاء الآثار والدلائل المكتنفة ، حياد عن طريقة العقلاء في فهم الكلام ، فضلا عن كلامه تعالى ، ومن استبدّ برأيه هلك ، كما
__________________
(١) عند البحث عن صلاحيّة المفسر في الجزء الأول ، ص ٦١ ـ ٩٦ ؛ وما كاد يزلّه لو لم يتحذّر.