وما رأيته لغيره.
وتحقيقه أنّ قوله : «وأيديكم» يقتضي بمطلقه من الظفر إلى المنكب ، فلما قال : إلى المرافق أسقط ما بين المنكب والمرافق ، وبقيت المرافق مغسولة إلى الظفر. وهذا كلام صحيح يجري على الأصول ، لغة ومعنى.
وأما قولهم : إنّ «إلى» بمعنى «مع» فلا سبيل إلى وضع حرف موضع حرف ، وإنما يكون كل حرف بمعناه ، وتتصرّف معاني الأفعال ، ويكون التأويل فيها لا في الحروف. ومعنى قوله : (إِلَى الْمَرافِقِ) على التأويل الأول : فاغسلوا أيديكم مضافة ، إلى المرافق. وكذلك قوله : (وَلا تَأْكُلُوا أَمْوالَهُمْ إِلى أَمْوالِكُمْ) معناه : مضافة إلى أموالكم.
وقد روى الدارقطني وغيره ، عن جابر بن عبد الله : أن النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم لمّا توضّأ أدار الماء على مرفقيه (١).
ومما يمتاز به هذا الكتاب ، كراهته للإسرائيليات ، كما أنه شديد النفرة من الخوض فيها ، فهو عند ما تعرض لقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً)(٢) نجده يقول : «المسألة الثانية» في الحديث عن بني إسرائيل ، كثر استرسال العلماء في الحديث عنهم في كل طريق. وقد ثبت عن النبي أنه قال : «حدّثوا عن بني إسرائيل ولا حرج» ومعنى هذا الخبر : الحديث عنهم بما يخبرون به عن أنفسهم وقصصهم ، لا بما يخبرون به عن غيرهم ؛ لأن إخبارهم عن غيرهم مفتقرة إلى العدالة والثبوت إلى منتهى الخبر ، وما يخبرون به عن أنفسهم فيكون من باب
__________________
(١) أحكام القرآن لابن العربي ، ج ٢ ، ص ٥٦٢ ـ ٥٦٥.
(٢) البقرة / ٦٧.