وشيخنا العلامة الطوسي ، يعدّ علما من أعلام الطائفة وشيخها المقدّم وإمامها الأسبق ، سبّاق العلوم والمعارف الإسلامية ، والقدوة العليا لمن كتب وألّف في شتى شئون العلوم الإسلامية ، من فقه وتفسير وكلام ، فضلا عن الأصول والرجال والحديث.
ولقّب بشيخ الطائفة ؛ لأنه زعيمها وقائدها وسائقها ومعلّمها الأول في مختلف العلوم.
ولد بطوس في شهر رمضان سنة (٣٨٥). وهاجر إلى بغداد سنة (٤٠٨) أيّام زعامة عميد الطائفة محمد بن محمد بن النعمان المشتهر بالشيخ المفيد. فلازمه ملازمة الظل ، وعكف على الاستفادة منه ، وأدرك ابن الغضائري وشارك النجاشي. وبعد وفاة شيخه المفيد سنة (٤١٣) وانتقال الزعامة إلى علم الهدى السيد المرتضى ، انحاز الشيخ إليه ولازم الحضور تحت منبره ، وعنى به المرتضى وبالغ في توجيهه وتلقينه. وبقي ملازما له طيلة (٢٣) سنة ، حتى توفي السيد سنة (٤٣٦) فاستقل شيخ الطائفة بأعباء الإمامة ، وظهوره على منصّة الزعامة ، وأصبح علما من أعلام الشيعة ومنارا للشريعة ، وكانت داره في الكرخ مأوى الأمّة ومقصد الوفّاد ، يأتونه من كل صوب ومكان. وتصدّر كرسي الكلام في بغداد ، بطلب من الخليفة القادر بالله العباسي ؛ حيث لم يكن في بغداد يومذاك من يفوقه قدرا أو يفضّل عليه علما ومعرفة ، بمباني الشريعة وأصول الكلام فيها.
ولم يزل شيخنا المعظم إمام عصره وعزيز مصره ، حتى ثارت القلاقل وحدثت الفتن في بغداد ، واتّسع ذلك على عهد طغرل بيك أوّل ملوك السلاجقة ، فإنه ورد بغداد وكان أول ما فعل أن شنّ الإغارة على الكرخ ، وأحرق مكتبة الشيعة هناك ، والتي أنشأها أبو نصر سابور بن أردشير ، وزير بهاء الدولة البويهي. وكان قد جمع فيها من كتب فارس والعراق ، واستجلب من بلاد الهند والصين