اثْنَيْنِ إِذْ هُما فِي الْغارِ ، إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنا ، فَأَنْزَلَ اللهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلى وَكَلِمَةُ اللهِ هِيَ الْعُلْيا وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)(١)
قال : فيمن تعود «الهاء» إليه قولان : أحدهما : قال الزجاج : إنها تعود إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم. والثاني : قال الجبائي : تعود إلى أبي بكر ؛ لانه كان الخائف واحتاج إلى الأمن. قال الشيخ : والأول أصحّ ؛ لأنّ جميع الكنايات قبل هذا وبعده راجعة إلى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم فلا يليق أن يتخلّل ذلك كله كناية عن غيره.
ثم قال : وليس في الآية ما يدلّ على تفضيل أبي بكر ؛ لان قوله : «ثاني اثنين» مجرد الإخبار أنّ النّبي صلىاللهعليهوآلهوسلم خرج ومعه غيره. وكذلك قوله : «إذ هما في الغار» خبر عن كونهما فيه. وقوله : «إذ يقول لصاحبه» لا مدح فيه أيضا ؛ لان تسمية الصاحب لا تفيد فضيلة ، ألا ترى أنّ الله تعالى قال في صفة المؤمن والكافر : (قالَ لَهُ صاحِبُهُ وَهُوَ يُحاوِرُهُ أَكَفَرْتَ بِالَّذِي خَلَقَكَ)(٢) ، وقوله : «لا تحزن» إن لم يكن ذمّا فليس بمدح ، بل هو نهي محض عن الخوف. قوله : «إنّ الله معنا» ، قيل : إنّ المراد به النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم ، ولو أريد به أبو بكر معه لم يكن فيه فضيلة ؛ لأنه يحتمل أن يكون ذلك على وجه التهديد. إلى أن يقول : فأين موضع الفضيلة للرجل لو لا العناد. ثم أضاف : ولم نذكر هذا للطعن على أبي بكر ، بل بيّنا أن الاستدلال بالآية على الفضل غير صحيح (٣).
وفي مسألة «العدل» وتحكيم العقل في معرفة الصفات ، نراه يذهب مذهب
__________________
(١) التوبة / ٤٠.
(٢) الكهف / ٣٧.
(٣) التبيان ، ج ٥ ، ص ٢٢٠ ـ ٢٢٣.