الرازي ، شيخ المفسرين ، بنى تفسيره الكبير على مباني شيخنا أبي الفتوح ، فيما فتح الله عليه أمهات المباحث الجليلة. قال العلامة القاضي نور الله التستري المرعشي : إنّ هذا التفسير من خير التفاسير ، وقد سمحت به قريحة شيخنا الرازي الوقّادة ، ومما لا نظير له في كتب التفسير ، في عذوبة ألفاظه وسلاسة عباراته ، وظرافة أسلوبه ودقّة اختياره ، وقد بنى عليه الفخر الرازي في تفسيره الكبير ، فأخذ منه اللّباب ، وزاد عليه بعض تشكيكاته ، مما زاد في الحجم ، ولكن الأصل اللباب ، هو ما ذكره مفسرنا الرازي أبو الفتوح الكبير (١).
وقد تتبعت مواضع من التفسيرين ، فوجدت الأمر كما ذكره القاضي ، كان الأصل ما ذكره أبو الفتوح الرازي ، وجاء تحقيق الفخر فرعا عليه ومقتبسا منه ، ولو مع زيادات.
مثلا عند قوله تعالى : (فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ أَبى وَاسْتَكْبَرَ وَكانَ مِنَ الْكافِرِينَ)(٢) ذهب أبو الفتوح إلى أنّ إبليس لم يزل كان كافرا ، وأن المؤمن سوف لا يكفر ؛ لأن الإيمان يوجب استحقاق الثواب الدائم ، وكذا الكفر يوجب استحقاق العقاب الدائم ، والجمع بين الاستحقاقين محال (٣).
وهكذا جاء الاستدلال في «التفسير الكبير» ، قال : الوجه الثاني في تقرير أنه كان كافرا أبدا ، قول أصحاب الموافاة ؛ وذلك لأن الإيمان يوجب استحقاق الثواب الدائم ، والكفر يوجب استحقاق العقاب الدائم ، والجمع بين الثواب الدائم والعقاب الدائم محال ، فإذا صدر الإيمان من المكلّف في وقت ثم صدر
__________________
(١) راجع : مجالس المؤمنين للقاضي التستري ، ج ١ ، ص ٤٩٠.
(٢) البقرة / ٣٤.
(٣) راجع : تفسير أبي الفتوح ، ج ١ ، ص ١٣٨.