«الجامع لأحكام القرآن».
ومفسرنا هذا لم يأل جهدا في إعمال رأيه وإبداء نظره في شرح معاني الآيات على طريقة تحكيم العقل الرشيد نافيا أن يكون ذلك من التفسير بالرأي الممنوع ؛ حيث يقول :
«تمسّك بعض المتورّعة ، ممّن قلّت في العلم طبقته ، وضعفت فيه خبرته ، واستعمل هذا الحديث على ظاهره ، وامتنع أن يستنبط معاني القرآن باجتهاده ، عند وضوح شواهده ، إلّا أن يرد بها نقل صحيح ، ويدلّ عليها نصّ صريح. وهذا عدول عما تعبّد الله تعالى به خلقه في خطابهم بلسان عربي مبين ، قد نبّه على معانيه ما صرّح من اللّغز والتعمية ، الّتي لا يوقف عليها إلّا بالمواضعة إلى كلام حكيم ، أبان عن مراده ، وقطع أعذار عباده ، وجعل لهم سبلا إلى استنباط أحكامه ، كما قال تعالى : (لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ)(١) ولو كان ما قالوه صحيحا ، لكان كلام الله غير مفهوم ، ومراده بخطابه غير معلوم ، ولصار كاللّغز المعمّى ، فبطل الاحتجاج به ، وكان ورود النّص على تأويله مغنيا عن الاحتجاج بتنزيله ، وأعوذ بالله من قول في القرآن يؤدّي إلى التوقف عنه ، ويؤول إلى ترك الاحتجاج به» (٢).
وقد أخذ ذلك بعضهم عليه ، زاعما سدّ باب الاجتهاد في القرآن ، تاركا وراءه قوله تعالى : (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلى قُلُوبٍ أَقْفالُها)(٣)
__________________
(١) النساء / ٨٣.
(٢) النكت والعيون ، ج ١ ، ص ٣٤.
(٣) محمد / ٢٤.