يُبْعَثُونَ. قالَ إِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ. قالَ فَبِما أَغْوَيْتَنِي لَأَقْعُدَنَّ لَهُمْ صِراطَكَ الْمُسْتَقِيمَ)(١).
قال : احتج أصحابنا بهذه الآية في بيان أنه لا يجب على الله رعاية مصالح العبد في دينه ولا في دنياه ، وتقريره : أن إبليس استمهل الزمان الطويل فأمهله الله تعالى ، ثم بيّن أنه إنما استمهله لإغواء الخلق وإضلالهم وإلقاء الوساوس في قلوبهم ، وكان تعالى عالما بأنّ أكثر الخلق يطيعونه ويقبلون وسوسته ، كما قال تعالى : (وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)(٢) فثبت بهذا أن إنظار إبليس وإمهاله هذه المدّة الطويلة يقتضي حصول المفاسد العظيمة والكفر الكبير ، فلو كان تعالى مراعيا لمصالح العباد لامتنع أن يمهله وأن يمكّنه من هذه المفاسد ، فحيث أنظره وأمهله ، علمنا أنه لا يجب عليه شيء من رعاية المصالح أصلا.
ومما يقوي ذلك أنّه تعالى بعث الأنبياء دعاة إلى الخلق ، وعلم من حال إبليس أنه لا يدعو إلّا إلى الكفر والضلال ، ثم إنه تعالى أمات الأنبياء الذين هم الدعاة للخلق ، وأبقى إبليس وسائر الشياطين الذين هم الدعاة للخلق إلى الكفر والباطل ، ومن كان يريد مصالح العباد امتنع منه أن يفعل ذلك.
قالت المعتزلة : اختلف شيوخنا في هذه المسألة ، فقال الجبّائي : إنه لا يختلف الحال بسبب وجوده وعدمه ، ولا يضلّ بقوله أحد إلّا من لو فرضنا عدم إبليس لكان يضلّ أيضا. والدليل عليه قوله تعالى : (ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ بِفاتِنِينَ إِلَّا مَنْ هُوَ صالِ
__________________
(١) الأعراف / ١٤ ـ ١٦.
(٢) سبأ / ٢٠.