حيث إنه تعالى غنيّ بالذات.
قال تعالى : (إِنَّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ كَما أَوْحَيْنا إِلى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) ـ إلى قوله ـ (رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ ، وَكانَ اللهُ عَزِيزاً حَكِيماً)(١).
فقد كان الله تعالى عزيزا لا يغالب على أمره ، لكنّه لا يفعل إلّا ما تقتضيه حكمته ، مراعيا فيها مصلحة العباد. فقد كان في مصلحتهم بعث الرسل والأنبياء وإنزال الشرائع ، وكان في طبيعتهم اقتضاء ذلك. فقد أجاب طلبهم اتماما للحجّة عليهم ، فلا تكون للناس على الله حجّة بعد الرسل.
وقد جاء في القرآن حوالي ثمانين موضعا ، جاء التصريح فيها بأنه تعالى حكيم عليم ، وحكيم خبير ، وعزيز حكيم ؛ مما ينبؤك عن علم وحكمة لا يفعل شيئا إلّا عن إحاطة وقدرة وحكمة شاملة.
وأما مسألة خلق إبليس وإمهاله وتسليطه على إغواء الناس ، فهذا أمر يعود إلى مصلحة النظام القائم في الخلق ، لا شيء إلّا وهو واقع بين قطبين : سلب وإيجاب ، جذب ودفع ؛ وبذلك استوى الوجود. فلولا دوافع الشرور ، لم يكن في الاندفاع نحو المطلوب الخير كثير فضل ، بل لم يكن هنا اندفاع نحو الخير ؛ حيث لا دافع إلى الشرّ.
فالإنسان واقع بين دوافع الخير ودوافع الشر على سواء ، وهو مختار في الانجذاب إلى أيهما شاء ، ويملك قدرته في الاختيار وعقله وإرادته التامّة في اختيار الخير أو الشر. فإذا اختار الخير فعن إرادته وتحكيم عقله فكانت فضيلة ، وإذا اختار الشر فعن إرادته والاستسلام لهوى نفسه فكانت رذيلة. ولا فضيلة
__________________
(١) النساء / ١٦٣ ـ ١٦٥.