ثم حاول الإجابة على ذلك من وجهين : أحدهما : أنّ الاستدلال مبتن على كون المشتق حقيقة فيمن انقضى عنه المبدأ ، كما هو حقيقة فيمن تلبّس. وليس الأمر كذلك ؛ لأن المشتق حقيقة فيمن تلبّس باتّفاق الأصوليين ؛ ولا يصدق على من انقضى عنه المبدأ. والثاني : أن المراد بالإمامة هنا هي النبوّة ، فمن كفر بالله طرفة عين فإنه لا يصلح للنبوّة (١).
لكن استدلال الإمامية لا يتوقّف على كون المشتق حقيقة في الأعم ممن تلبّس أو انقضى عنه المبدأ ، بل كما صرّح هو أيضا : إنه في حال التلبّس يتوجّه الخطاب بعدم اللّياقة. والنفي تأبيد شمل الظالم ووصمه بوصمة العار : أنّه غير صالح للإمامة أبدا. ومن ثمّ فإن الكافر لا يصلح للنّبوّة حتى ولو تاب وآمن ، ولا دليل عليه سوى شمول هذه الآية ، حسبما صرّح به الرازي نفسه. إذن فالآية صالحة لسلب الصلاحيّة أبدا عمّن كفر وأشرك بالله طرفة عين.
فمن كفر بالله وأشرك فقد ظلم ربّه وظلم نفسه ، والظالم مسلوب الصلاحية أبدا ، حتى بعد توبته وإيمانه أيضا ؛ إذ يتوجّه إليه حينذاك ـ أي حين ظلمه ـ : لا ينالك عهدي أيّها الظالم الخائن لربّه. وهو نفي تأبيد مترتّب على ظلم ، صادر من المكلّف. وهذا من خاصية الظلم ؛ حيث يترتب عليه حكم عام ، نظير السرقة يترتّب عليها حكم القطع ، فيجب إجراؤه سواء حال سرقته أم بعدها. نعم إذا تاب السارق قبل إمكان القبض عليه ، فإنه يسقط حكم القطع ، ولكنه بدليل خاص ، وإلّا كان الحكم ثابتا على عمومه.
ومسألتنا الحاضرة من هذا القبيل ، أي من قبيل السرقة والزنى وشرب الخمر ، يثبت أحكامها بمجرد الصدور وصدق الموضوع خارجا ، ويدوم حتى
__________________
(١) التفسير الكبير ، ج ٤ ، ص ٤٥ ـ ٥٠.