في الأفكار العفنة والعقول المتخلّفة والنفوس المتعصبة. ذلك أن السياسة قد دخلت في هذا الأمر ، وأثّرت فيه تأثيرا بالغا ، فسخّرته ليؤيّدها في حكمها ، وجعلته من أقوى الدعائم لإقامة بنائها.
وقد علا موج هذا الوضع السياسي وطغا ماؤه في عهد معاوية الذي أعان عليه وساعده بنفوذه وماله ، فلم يقف وضّاع الحديث عند بيان فضله والإشادة بذكره ، بل أمعنوا في مناصرته ، والتعصّب له ، حتى رفعوا مقام الشام الذي يحكمه إلى درجة لم تبلغها مدينة الرسول صلىاللهعليهوآلهوسلم ولا البلد الحرام الذي ولد فيه. وأسرفوا في ذلك إسرافا كثيرا ، وأكثروا حتى ألّفت في ذلك مصنّفات (١).
وذكر ابن أبي الحديد عن شيخه أبي جعفر الإسكافي : أن معاوية وضع قوما من الصحابة وقوما من التابعين ، على رواية أخبار قبيحة في علي عليهالسلام تقتضي الطعن فيه والبراءة منه ، وجعل لهم على ذلك جعلا يرغب في مثله ، فاختلقوا ما أرضاه. منهم : أبو هريرة ، وعمرو بن العاص ، والمغيرة بن شعبة ، ومن التابعين عروة بن الزبير.
روى الزهري أن عروة بن الزبير حدّثه ، قال : حدّثتني عائشة ، قالت : كنت عند رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أقبل العباس وعلي. فقال : يا عائشة ، إن هذين يموتان على غير ملّتي ـ أو قال ـ غير ديني.
وفي حديث آخر عنه ، قال : حدثتني عائشة ، قالت : كنت عند النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم إذ أقبل العباس وعلي ، فقال : يا عائشة ، إن سرّك أن تنظري إلى رجلين من أهل النار ، فانظري إلى هذين قد طلعا.
وأما عمرو بن العاص فقد أخرج عنه البخاري ومسلم بإسناد متصل إليه ،
__________________
(١) الأضواء ، ص ١٢٦ ـ ١٢٧.