قال الذهبي : كان الأستاذ الإمام ، هو الذي قام وحده من بين رجال الأزهر بالدعوة إلى التجديد ، والتحرّر من قيود التقليد ، فاستعمل عقله الحرّ في كتاباته وبحوثه ، ولم يجر على ما جمد عليه غيره من أفكار المتقدمين وأقوال السابقين ، فكان له من وراء ذلك آراء وأفكار خالف بها من سبقه. وهذه الحريّة العقلية ، وهذه الثورة على القديم ، كان لهما أثر بالغ في المنهج الذي نهجه الشيخ لنفسه ، وسار عليه في تفسيره (١).
قد رسم محمد عبده في تفسيره منهجا تربويّا للأمّة الإسلامية ، يبعث مقوّماتها ، ويثير أمجادها ، وينادي بآداب القرآن من الشجاعة والكرامة والحفاظ ، قد حارب جمود الفقهاء وتقليدهم ، وتقديم المذاهب على القرآن والسنّة مكانهما الأول من التشريع ، ودعا المسلمين إلى استخدام عقولهم وتفكيرهم (٢).
ومن خصائص هذا التفسير العناية بمشاكل المسلمين الحاضرة ، والتوجّه إلى معالجة أسباب تأخّر المجتمع الاسلامي ، وإلى إمكان بناء مجتمع قوي ، وعودة الأمّة إلى ثورة حقيقية قرآنية على أوضاعها المتخلفة ، ومواجهة الحياة مواجهة علمية صحيحة ، والعناية التامة إلى الأخذ بأسباب الحضارة الإسلامية من جديد ، ومواجهة أعدائها ، وردّ الغزوات الفكريّة الاستعمارية التي شنّت على الإسلام عقيدة وتاريخا وحضارة ورجالا ، ومناقشتها بالأدلة العلمية والوقائع التاريخيّة ، وتفنيدها وإثبات بطلانها من ذاتها.
ويتلخص منهج تفسير المنار في البنود التالية :
__________________
(١) التفسير والمفسرون ، ج ٢ ، ص ٥٥٤ ـ ٥٥٥.
(٢) منهج الإمام محمد عبده ـ لشحاتة ـ المفسرون ، ص ٦٦٨.