لم يعط لغيره ، خليفة الله في أرضه ؛ لأنه أكمل الموجودات في الأرض ، واستثنى من هذه القوى قوة واحدة ، عبّر عنها بإبليس ، وهي القوّة التي لزّها الله بهذا العالم لزّا ، وهي التي تميل بالمستعد للكمال ، أو بالكامل إلى النقص ، وتعارض مدّ الوجود لتردّه إلى العدم ، أو تقطع سبيل البقاء ، وتعود بالموجود إلى الفناء ، أو التي تعارض في اتّباع الحق ، وتصدّ عن عمل الخير ، وتنازع الإنسان في صرف قواه إلى المنافع والمصالح التي تتمّ بها خلافته ، فيصل إلى مراتب الكمال الوجودي التي خلق مستعدّا للوصول إليها ، تلك القوّة التي ضلّلت آثارها قوما فزعموا أنّ في العالم إلها يسمّى إله الشر ، وما هي بإله ، ولكنها محنة إله لا يعلم أسرار حكمته إلّا هو.
قال : «ولو أن نفسا مالت إلى قبول هذا التأويل ، لم تجد في الدين ما يمنعها من ذلك ، والعمدة على اطمينان القلب وركون النفس إلى ما أبصرت من الحق» (١).
ثم يعود في موضع آخر إلى تقرير التمثيل في القصة ، فيقول : «وتقرير التمثيل في القصّة على هذا المذهب هكذا : إنّ إخبار الله الملائكة بجعل الإنسان خليفة في الأرض هو عبارة عن تهيئة الأرض وقوى هذا العالم وأرواحه الّتي بها قوامه ونظامه ، لوجود نوع من المخلوقات يتصرّف فيها ، فيكون به كمال الوجود في هذه الأرض. وسؤال الملائكة عن جعل خليفة يفسد في الأرض ؛ لأنه يعمل باختياره ، ويعطى استعدادا في العلم والعمل لا حدّ لهما ، هو تصوير لما في استعداد الإنسان لذلك ، وتمهيد لبيان أنه لا ينافي خلافته في الأرض. وتعليم آدم الأسماء كلها ، بيان لاستعداد الإنسان لعلم كل شيء في هذه الأرض ، وانتفاعه به
__________________
(١) تفسير المنار ، ج ١ ، ص ٢٦٧ ـ ٢٦٩.