قال الذهبي : وهذه الطريقة التي يعتمد عليها الزمخشري في تفسيره أعني طريقة الفروض المجازية ، وحمل الكلام الذي يبدو غريبا في ظاهره ، على أنه من قبيل التعبيرات التمثيليّة أو التخييليّة قد أثارت حفيظة خصمه السنّي ابن المنير الإسكندري عليه ، فاتّهمه بأشنع التّهم في كثير من المواضع التي تحمل هذا الطابع ، ونسبه إلى قلّة الأدب وعدم الذوق (١).
فمثلا عند ما يعرض الزمخشري لقوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ ، وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ)(٢) نراه يقول : هذا تمثيل وتخييل ، كما مرّ في آية عرض الأمانة ، وقد دلّ عليه قوله تعالى : (وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ ...) والغرض توبيخ الإنسان على قسوة قلبه وقلّة تخشعه عند تلاوة القرآن ، وتدبّر قوارعه وزواجره (٣).
ولكن هذا قد أغضب ابن المنير ، فقال معقّبا عليه : وهذا مما تقدم إنكاري عليه فيه ، أفلا كان يتأدّب بأدب الآية ، حيث سمى الله هذا مثلا ، ولم يقل : وتلك الخيالات نضربها للناس. ألهمنا الله حسن الأدب معه ، والله الموفّق.
غير أنّ الزمخشري ولع بهذه الطريقة ، فمشى عليها من أوّل تفسيره إلى آخره ، ولم يقبل المعاني الظاهرة التي أخذ بها أهل السنة وحسبوها أقرب إلى الصواب ، كما لا ينفك عن التنديد بأهل السنة الذين يقبلون هذه المعاني الظاهرة ويقولون بها ، وكثيرا ما ينسبهم من أجل ذلك إلى أنهم من أهل الأوهام والخرافات ، كما عرفت من هجوه لهم في الشعر المتقدّم. وقد سمّاهم أهل الحشو ، عند تفسيره
__________________
(١) التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٤٤٩.
(٢) الحشر / ٢١.
(٣) الكشاف ، ج ٤ ، ص ٥٠٩.