لآية (٣٦) من سورة آل عمران (وَإِنِّي أُعِيذُها بِكَ وَذُرِّيَّتَها مِنَ الشَّيْطانِ الرَّجِيمِ). قال : وما يروى من الحديث : «ما من مولود يولد إلّا والشيطان يمسّه حين يولد فيستهلّ صارخا من مسّ الشيطان إيّاه إلّا مريم وابنها» فالله أعلم بصحّته. فإن صحّ فمعناه : أن كل مولود يطمع الشيطان في إغوائه إلّا مريم وابنها ، فإنهما كانا معصومين. وكذلك كل من كان في صفتهما ، كقوله تعالى : (لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ إِلَّا عِبادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ)(١). واستهلاله صارخا من مسّه ، تخييل وتصوير لطمعه فيه ، كأنّه يمسّه ويضرب بيده عليه ، ويقول : هذا ممن أغويه ، ونحوه من التخييل قول ابن الرومي :
لما تؤذن الدنيا به من صروفها |
|
يكون بكاء الطفل ساعة يولد |
وأما حقيقة المسّ والنخس كما يتوهم أهل الحشو فكلّا. ولو سلّط إبليس على الناس بنخسهم ، لامتلأت الدنيا صراخا وعياطا مما يبلونا به من نخسه (٢).
وإليك أمثلة أخرى لتقف على مقدار تمسّكه بهذه الطريقة :
ففي سورة البقرة عند قوله تعالى : (وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ)(٣) يذكر الزمخشري في معنى «الكرسي» أربعة أوجه ، ويقول في الوجه الأول منها : إن كرسيّه لم يضق عن السماوات والأرض لبسطته وسعته ، وما هو إلّا تصوير لعظمته وتخييل فقط ، ولا كرسي ثمّة ، ولا قعود ، ولا قاعد ، كقوله تعالى : (وَما قَدَرُوا اللهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَالسَّماواتُ مَطْوِيَّاتٌ
__________________
(١) الحجر / ٣٩ ـ ٤٠.
(٢) الكشاف ، ج ١ ، ص ٣٥٦ ـ ٣٥٧.
(٣) الآية ٢٥٥.