قلت : فائدته أن قوله : (لا إِلهَ إِلَّا اللهُ) هو توحيد ، وقوله : (قائِماً بِالْقِسْطِ) تعديل ، فإذا أردفه بقوله : (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللهِ الْإِسْلامُ) فقد آذن أن الإسلام هو العدل والتوحيد ، وهو الدين عند الله ، وما عداه فليس عنده في شيء من الدين. وفيه : أن من ذهب إلى تشبيه ، أو ما يؤدّي إليه كإجازة الرؤية ، أو ذهب إلى الجبر الذي هو محض الجور ، لم يكن على دين الله الذي هو الإسلام ، وهذا بيّن جليّ كما ترى (١).
وعند تفسيره لقوله تعالى : (قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ)(٢) ، قال : «ثم تعجّب من المتّسمين بالإسلام ، المتّسمين بأهل السنة والجماعة ، كيف اتخذوا هذه العظيمة مذهبا ، ولا يغرّنك تسترهم بالبلكفة (٣) فإنه من منصوبات أشياخهم! والقول ما قال بعض العدلية فيهم :
لجماعة سمّوا هواهم سنّة |
|
وجماعة حمر لعمري موكفة (٤) |
قد شبّهوه بخلقه وتخوّفوا |
|
شنع الورى فتستّروا بالبلكفة |
وحمل الآية على أنها ترجمة عن مقترح قومه وحكاية لقولهم.
وتفسير آخر ، وهو : أن يريد بقوله : (أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ) عرّفني نفسك تعريفا واضحا جليّا ، كأنّها إراءة في جلائها بآية ، مثل آيات القيامة التي تضطر
__________________
(١) الكشاف ، ج ١ ، ص ٣٤٤ ـ ٣٤٥. وراجع : التفسير والمفسرون ، ج ١ ، ص ٤٦٥ ـ ٤٦٧.
(٢) الأعراف / ١٤٣.
(٣) لأنهم قالوا : إنه يرى بلا كيف ، أي لا تسأل عن كيفية رؤيته تعالى. والبلكفة مخففة ذلك.
وعدّ الزمخشري ذلك ذريعة للتخلّص من مأزق القول بالجسمية والقول بالجهة ، فهو من منصوبات أشياخهم ، أي شبكات يتصيّدون بها الضعفاء.
(٤) أي موضوع عليها الإكاف وهي البرذعة. وهي بمنزلة السرج للفرس.