قال القرطبي في مقدمة تفسيره : منهم (من الوضّاع والكذّابين) قوم من السؤّال والمكدين ، يقفون في الأسواق والمساجد ، فيضعون على رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم أحاديث بأسانيد صحاح قد حفظوها ، فيذكرون الموضوعات بتلك الأسانيد (١).
قال ابن الجوزي : هناك قوم شقّ عليهم الحفظ ، فضربوا نقد الوقت ، وربّما رأوا أن الحفظ معروف ، فأتوا بما يغرب مما يحصل مقصودهم ، فهؤلاء قسمان ، أحدهما : القصّاص ، ومعظم البلاء منهم يجري ؛ لأنهم يزيدون أحاديث تثقف وترقّق ، والصحاح يقلّ فيها هذا. ثم إنّ الحفظ يشقّ عليهم ويتفق عدم الدين ، ومن يحضرهم جهّال ، فيقولون. ولقد حكى لي فقيهان ثقتان عن بعض قصّاص زماننا وكان يظهر النسك والتخشع ، أنه حكى لهما ، قال : يوم عاشوراء ، قال رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم : من فعل اليوم كذا فله كذا ، ومن فعل كذا فله كذا ، إلى آخر المجلس. فقالا له : ومن أين حفظت هذه الأحاديث؟ فقال : والله ما حفظتها ، ولا أعرفها ، بل في وقتي قلتها.
قال : ولا جرم كان القصّاص شديدي النعير، ساقطي الجاه ، لا يلتفت الناس إليهم ، فلا لهم دنيا ولا آخرة. وقد صنّف بعض قصّاص زماننا كتابا فذكر فيه : «أن الحسن والحسين دخلا على عمر بن الخطاب وهو مشغول ، فلما فرغ من شغله رفع رأسه فرآهما ، فقام فقبّلهما ، ووهب لكل واحد منهما ألفا ، وقال : اجعلاني في حلّ ، فما عرفت دخولكما ، فرجعا وشكراه بين يدي أبيهما عليّ عليهالسلام. فقال عليّ : سمعت رسول الله صلىاللهعليهوآلهوسلم يقول : عمر بن الخطاب نور في الإسلام وسراج لأهل الجنّة. فرجعا فحدّثاه. فدعا بدواة وقرطاس وكتب : بسم الله الرحمن
__________________
(١) تفسير القرطبي ، ج ١ ، ص ٧٩.