وأما التفسير الفيضي ، فهو تأويل الآيات على خلاف ما يظهر منها ، بمقتضى إشارات رمزيّة ، تظهر لأرباب السلوك والرياضة النفسية ، من غير ما دعم بحجة أو برهان.
قال الذهبي : والفرق بينه وبين التفسير الصوفي النظري من وجهين.
أولا : أنّ النظري ينبني على مقدّمات علمية تنقدح في ذهن الصوفي أوّلا ثم ينزل القرآن عليها بعد ذلك. أما التفسير الفيضي الإشاري فيرتكز على رياضة روحيّة يأخذ بها الصوفي نفسه حتى يصل إلى درجة تنكشف له فيها من سجف العبارات هذه الإشارات القدسيّة ، وتنهل على قلبه من سحب الغيب ما تحمله الآيات من المعارف السبحانية.
ثانيا : أنّ التفسير الصوفي النظري ، يرى صاحبه أنه كل ما تحتمله الآية من المعاني ، وليس وراءه معنى آخر يمكن أن تحمل الآية عليه. أمّا التفسير الفيضي الإشاري فلا يرى الصوفي أنه كل ما يراد من الآية ، بل يرى أنّ هناك معنى آخر تحتمله الآية ، ويراد منها أولا وقبل كل شيء ، وذلك هو المعنى الظاهر الذي ينساق إليه الذهن قبل غيره (١).
لكنا لا نرى تفاوتا في تفاسير الصوفية ، سوى الشدّة والضعف في تأويلاتهم التي يتكلّفونها حسب أذواقهم وسلائقهم ، بلا استناد ولا أساس ، وكلّها معدود من التفسير بالرأي المقيت.
إذ لم نر من استند منهم على مقدّمة علمية ولا برهان واضح ، سوى سوانح وخواطر عارضة ، يحسبونها إشراقات جاءتهم من مكان عليّ ، وليس سوى
__________________
(١) التفسير والمفسرون ، ج ٢ ، ص ٣٣٩.