المريدين بمشهد الجود أبدا طائفة ، ووفود همم العارفين بحضرة العزّ أبدا عاكفة (١).
وقال في قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللهُ بِشَيْءٍ مِنَ الصَّيْدِ تَنالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِماحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَخافُهُ بِالْغَيْبِ) ـ إلى قوله ـ (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ ، وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ)(٢) : والإشارة فيه أن من قصد بيتنا فينبغي أن يكون الصيد منه في الأمان ، لا يتأذّى منه حيوان بحال ؛ لذا قالوا : البرّ من لا يؤذي الذرّ ولا يضمر الشرّ.
ويقال : الإشارة في هذا أنّ من قصدنا فعليه نبذ الأطماع جملة ، ولا ينبغي أن تكون له مطالبة بحال من الأحوال. وكما أنّ الصيد على المحرم حرام إلى أن يتحلّل ، فكذلك الطلب والطمع والاختيار على الواجد حرام ما دام محرما بقلبه.
ويقال : العارف صيد الحق ، ولا يكون للصيد صيد.
وإذا قتل المحرم الصيد فعليه الكفّارة ، وإذا لاحظ العارف الأغيار ، أو طمع أو رغب في شيء أو اختار لزمته الكفّارة ، ولكن لا يكتفي منه بجزاء المثل ولا بأضعاف أمثال ما تصرّف فيه أو طمع ، ولكن كفّارته تجرّده على الحقيقة عن كل غير ، قليل أو كثير ، صغير أو كبير.
قوله عزوجل : (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعامُهُ مَتاعاً لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ ، وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ)(٣) قال : حكم البحر خلاف حكم البرّ ، وإذا غرق العبد
__________________
(١) لطائف الإشارات ، ج ١ ، ص ١٣٦.
(٢) المائدة / ٩٤ ـ ٩٥.
(٣) المائدة / ٩٦.