ومن ثمّ فإنه من أوفق التفاسير الصوفية في الجمع بين الشريعة والطريقة ، وأسلمها عن الخوض في التأويلات البعيدة التي يأباها اللفظ وينفرها ، كما في سائر تفاسيرهم.
ولذلك فإنّ فيه بعض الشطحات أو التأويلات البعيدة ، مما يعدّ تفسيرا بالرأي الممنوع منه شرعا ، مثلا عند قوله تعالى : (وَعَهِدْنا إِلى إِبْراهِيمَ وَإِسْماعِيلَ أَنْ طَهِّرا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْعاكِفِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)(١) يقول : الأمر في الظاهر بتطهير البيت ، والإشارة من الآية إلى تطهير القلوب. وتطهير البيت بصونه عن الأدناس والأوضار ، وتطهير القلب بحفظه عن ملاحظة الأجناس والأغيار.
وطواف الحجاج حول البيت معلوم بلسان الشرع ، وطواف المعاني معلوم لأهل الحق ، فقلوب العارفين المعاني فيها طائفة ، وقلوب الموحّدين الحقائق فيها عاكفة ، فهؤلاء أصحاب التلوين ، وهؤلاء أرباب التمكين (٢).
وقلوب القاصدين بملازمة الخضوع على باب الجود أبدا واقفة.
وقلوب الموحّدين على بساط الوصل أبدا راكعة.
وقلوب الواجدين على بساط القرب أبدا ساجدة.
ويقال : صواعد نوازع الطالبين بباب الكرم أبدا واقفة ، وسوامي قصود
__________________
(١) البقرة / ١٢٥.
(٢) التلوين والتمكين لفظان اصطلاحيّان : التلوين صفة أرباب الأحوال ، والتمكين صفة أهل الحقائق. فما دام العبد في الطريق فهو صاحب تلوين ؛ لأنّه يرتقي من حال إلى حال ، وينتقل من وصف إلى وصف ، وهو أبدا في الزيادة. أما صاحب التمكين فوصل ثم اتصل ، وأمارة أنه اتصل أنه بالكلّية عن كليّته بطل ، والتغيير بما يرد على العبد إما لقوّة الوارد أو لضعف صاحبه ، والسكون إما لقوّته أو لضعف الوارد عليه. (الرسالة القشيرية ، ص ٤٤).