(٤٦٥ ه) بمدينة نيسابور.
وتفسيره هذا امتداد للتفسير الصوفي الباطني ، معتمدا في أكثر الأحيان على تأويلات قد ينبو عنها ظاهر لفظ الآية الكريمة. لكنه مع ذلك حاول أن يوفّق بين علوم الحقيقة ـ حسب مصطلحهم ـ وعلوم الشريعة ، قاصدا أن لا تعارض بينهما ، وأن أيّ كلام يناقض ذلك فهو خروج على كليهما ؛ إذ كل شريعة غير مؤيّدة بالحقيقة فغير مقبول ، وكل حقيقة غير مقيدة بالشريعة فغير محصول ، فالشريعة أن تعبده ، والحقيقة أن تشهده. كما جاء في «الرسالة القشيريّة» (١).
حاول في هذا التفسير أن يبرهن على أن كلّ صغيرة وكبيرة في علوم الصوفيّة ، فإنّ لها أصلا من القرآن. ويتجلّى ذلك بصفة خاصّة حيثما ورد المصطلح الصوفي صريحا في النّص القرآني ، كالذكر والتوكّل والرضا ، والوليّ والولاية والحق ، والظاهر والباطن ، والقبض والبسط. فإنك عند خلال قراءة التفسير لا تكاد تملك إلا أن تحكم أن الصوفيّة قد استمدّوا أصولهم وفروعهم من كتاب الله الكريم ، وأنّ علومهم ليست غريبة ولا مستوردة ، كما يحلو لكثير من الباحثين ، حين يرون التصوّف الإسلامي متأثّرا بالتيّارات الأجنبيّة ، اليونان والفرس والهند.
كذلك تلحظ عبقريّة القشيري إزاء اللفظة أو الآية ، حينما لا يكون فيها اصطلاح صوفي ، فإنّه يستخرج لك من آيات الطلاق إشارات في الصحبة والصاحب ، ومن علاقة النبىّ صلىاللهعليهوآلهوسلم بأصحابه إشارات عن الشيخ ومريديه ، ومن مظاهر الطبيعة كالشمس والقمر والمطر والجبال إشارات تتّصل اتّصالا وثيقا بالرياضات والمجاهدات ، أو بالمواصلات والكشوفات.
__________________
(١) الرسالة القشيريّة ، ص ٤٦. وراجع : مقدمة تفسير القشيري ، ج ١ ، ص ١٨.