لا يتصور ممن قام به اعتراض ولا تطلّع ، وكذلك في نفس نقطة النون أوّل دلالة النون الروحانية المعقولة فوق شكل النون السفلية ، التي هي النصف من الدائرة ، والنقطة الموصولة بالنون المرقومة الموضوعة ، أول الشكل ، التي هي مركز الألف المعقولة ، التي بها يتميّز قطر الدائرة ، والنقطة الأخيرة التي ينقطع بها شكل النون ، وينتهي بها هي رأس هذا الألف المعقولة المتوهمة ، فتقدر قيامها من رقدتها فترتكز لك على النون ، فيظهر من ذلك حرف اللام ، والنون نصفها زاي مع وجود الألف المذكورة ، فتكون النون بهذا الاعتبار تعطيك الأزل الإنساني ، كما أعطاك الألف والزاي واللام في الحق. غير أنه في الحق ظاهر ؛ لأنه بذاته أزلي لا أوّل له ، ولا مفتتح لوجوده في ذاته ، بلا ريب ولا شك.
ولبعض المحققين كلام في الانسان الأزلي ، فنسب الإنسان إلى الأزل ، فالإنسان خفي فيه الأزل فجهل ؛ لأن الأزل ليس ظاهرا في ذاته ، وإنما صحّ فيه الأزل لوجه ما من وجوه وجوده ، منها أنّ الموجود يطلق عليه الوجود في أربع مراتب : وجود في الذهن ، ووجود في العين ، ووجود في اللفظ ، ووجود في الرقم. فمن جهة وجوده على صورته التي وجد عليها في عينه ، في العلم القديم الأزلي المتعلّق به في حال ثبوته ، فهو موجود أزلا أيضا ، كأنّه بعناية العلم المتعلق به ، كالتحيّز للعرض بسبب قيامه بالجوهر ، فصار متحيّزا بالتبعيّة ، فلهذا خفي فيه الأزل ، ولحقائقه أيضا الأزليّة المجرّدة عن الصورة المعيّنة المعقولة التي تقبل القدم والحدوث (١).
وقال في الباب (٣٥١) في معرفة اشتراك النفوس والأرواح :
القلم واللوح أول عالم التدوين والتسطير ، وحقيقتهما ساريتان في جميع
__________________
(١) الفتوحات المكية ، ج ١ ، ص ٥٣ ـ ٥٤.