وَدُّوا ما عَنِتُّمْ. قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ وَما تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ. قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآياتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ)(١).
(البطانة) : ما يستبطنه الإنسان من ثيابه التي تلي جسده ، أي لا تتخذوا أصحاب سرّ من غيركم.
(لا يَأْلُونَكُمْ خَبالاً) ، أي لا يقصّرون في إفساد ذهنيّاتكم عن الإسلام ، ومنه الخبل : فساد العقل. ورجل مخبّل : فاسد الرأي.
(وَدُّوا ما عَنِتُّمْ) ، أي كانت غاية جهدهم إيقاع العنت بكم. والعنت : المشقّة الروحية ، والقلق الفكري.
ومن ثمّ أصدر النبيّ صلىاللهعليهوآلهوسلم نهيه الصريح عن مراجعة أهل الكتاب ، بما أنهم لا يخلصون النصيحة للمسلمين ، ولا يأبهون إن حقا قالوا أو باطلا ، ما دامت الغاية هي إيقاع الفساد والعنت بين المؤمنين.
فقد أخرج أحمد في مسنده وكذا ابن أبي شيبة والبزّار من حديث مجالد عن الشعبي عن جابر بن عبد الله الأنصاري ، قال :
إنّ عمر بن الخطاب أتى النبي صلىاللهعليهوآلهوسلم بكتاب أصابه من بعض أهل الكتاب ، فقرأه عليه (وفي نسخة أحمد : فقرأه النّبي) فغضب ، فقال : أمتهوّكون فيها يا ابن الخطاب؟! والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقيّة. لا تسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذّبوا به ، أو بباطل فتصدّقوا به. والذي نفسي بيده لو أن موسى عليهالسلام كان حيّا ما وسعه إلّا أن يتّبعني (٢).
__________________
(١) آل عمران / ١١٨.
(٢) مسند أحمد بن حنبل ، ج ٣ ، ص ٣٨٧. وراجع : فتح الباري في شرح البخاري لابن حجر